المشكلة في لبنان أنَّ الكارثة تحمل صفة المعجَّل فيما المناقصات والمعالجات تحمل صفة المؤجَّل.
لكن هل تنتهي القضية عند هذا الحد؟
هناك مفارقة فاضحة، وهي تتمثَّل في تقصير وزير البيئة محمد المشنوق حامل ملف النفايات، والذي بسببه تُعتبر الحكومة مقصرة في أكثر من بند له علاقة بملف النفايات ومن أبرزها انها تركت على عاتق الشركات العارضة أن تحدِّد الأماكن لمعالجة النفايات، فهل ستستطيع هذه الشركات القيام بما عجزت عنه الحكومة؟
إنَّ المعضلة الحقيقية اليوم هي أنَّ وزارة البيئة لم تنجح في إيجاد مكان للمعالجة المؤقتة، فكيف ستنجح في إيجاد أمكنة للمعالجة الدائمة؟
هنا يتحمَّل وزير البيئة مسؤولية كلِّ مراحل الأزمة، بدءاً من تفاقمها وصولاً إلى اليوم، فماذا فعل منذ ستة أشهر وحتى اليوم؟
هل يجوز أنه عمل كلَّ يومٍ بيومه من دون إستشراف المشكلة وغمرنا بحنكته بالنفايات؟
أكثر وأكثر من ذلك، هل يُدرِك معاليه أنَّ تأخُّر معالجة الأزمة شهراً واحداً سيجعل النفايات المجمَّعة بشكلٍ عشوائي تسبح في مياه الأمطار، وأنه في حال الأمطار الكثيفة ستكون هذه النفايات فريسة السيول على الطرقات؟
وبدلاً من أن يغرق الناس بالبحيرات كالعادة، فإنهم هذه السنة سيغرقون بالبحيرات الممزوجة بالنفايات!
وبعد، هل نسميه وزيراً للبيئة أم الوزير، وللأسف الشديد، هامل مهام البيئة؟
في المقابل، هناك وزير تلقى في صدره السِهام التي أطلقها المجتمع المدني والتي لا ناقة له فيها ولا جمل، إنه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي عمل طوال بعد ظهر الأربعاء على امتصاص النقمة التي تسبَّب بها نسيبه، وعمل على تهدئة النفوس في الوقت الذي كان فيه وزير البيئة يُبشِّر الرأي العام بتأجيل إعلان نتائج المناقصة.
حتى النفايات ضربتها لوثة التمديد، فصار فضُّ عروض المناقصات يُمدَّد من أسبوع إلى أسبوع، فيما الناس يجلسون على أكوام النفايات وليس في إمكانهم فعل أي شيء.
أما تأجيل فضِّ العروض فهو كارثة في حدِّ ذاته، حيث أنَّ ما هو معروض من مناقصات، لجهة الجانب التقني الذي يحتاج إلى خبراء ومتخصِّصين، لم يصل إلى أيِّ لجنةٍ إستشارية للبتِّ فيه، ما جعل العملية تؤجَّل إلى الثلاثاء المقبل لإعطاء الوقت للجنة الإستشارية، التي يُفترض أن تؤلَّف من خبراء لتقول كلمتها!
هذا ما جعل أحد المتابعين الخبراء لهذا الملف يعتبر أنَّ اللجنة التي كلفها مجلس الإنماء والإعمار درس العروض، قد ارتكبت مخالفة موصوفة من خلال تلكُّئها في تلزيم الناحية التقنية للعروض لشركات استشارات دولية، لأنَّ اللجنة المكلفة غير خبيرة في الشؤون التقنية، فلماذا أغفلت هذا الجانب؟
هل لأنها اعتقدت أنَّ المناقصات هي شكلية؟
فيما الحقيقة أنها لم تعد كذلك في ظل تركيز الأعين والإهتمامات عليها؟
أكثر من ذلك، وفي سياق الفضيحة ذاتها، فإن الملفات المعروضة قد عاينها استشاريٌّ واحد، فهل هذه الآلية غير المحترفة هي من قبيل رفع العتب؟
وكيف يمكن في هذه الحال دراسة العروض الذي بلغ عددها سبعة عشر عرضاً، وهي قُدِّمَت عن ست مناطق؟
ما أصبح واضحاً حتى الآن أنَّ الهوة بين العروض وبين قبولها قد ضاقت بشكلٍ واضح، خصوصاً أنَّ بعض الشركات المتقدِّمة يحظى باحترافية عالية وسمعة حسنة، ابرزها شركة رجل الأعمال الحاج جهاد العرب الذي غطَّت مناقصاته كل لبنان ما عدا الشوف وبيروت. هذه السِعة والثقة بالحاج جهاد العرب مردُّها إلى قدرته التقنية واللوجستية وخبرته في البنى التحتية، وهذه الخبرة جعلته محطَّ ثقة معظم القادة السياسيين بدءاً من التيار الوطني الحر، وله فيه أصدقاء وسمعة طيبة، وصولاً إلى حزب الله حيث عمل في أكثر من منطقة من مناطق نفوذه. هاتان، الخبرة والثقة، ستجعلانه يحط في البقاع والشمال، مع أن يكون شريكاً في منطقة أساسية ثالثة.
وبإنتظار الثلاثاء المقبل.