IMLebanon

صاحب السماحة: قدرك أن تُنَصَّبَ مفتياً في هذه الأيام العصيبة

سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية، سماحة مفتي بيروت المحروسة، الشيخ عبد اللطيف دريان، حياك الله، يحييك الوطن، تحييك بيروت، ها أنت اليوم في أعلـى السدة الدينية الإسلامية في هذه البلاد الحافلة بشتى الإنتماءات الدينية والمذهبية، وبشتى أنواع الآراء والعقائد، الإجتماعية والفكرية وبمختلف الإنتماءات السياسية والحزبية وتشاء الظروف أن تعتلي سدّة الافتاء، والبلاد تتجاوز مرحلة من أخطر مراحل حياتها وتاريخها، ونحن نعيش أياماً قلّت فيها الأخبار الطيبة، إلاّ خبر يكاد أن يكون وحيدا في غمرة مآسي البلاد والعباد، أفلت من جملة الأخبار الرديئة وأطلـق ضوءا ساطعا وسط ظلمة كاسحة، وهذا الخبر، تمثل في انتخابك مفتيا للبلاد، وتم تنصيبك في موقعك السامي أول من أمس، فبدأ عهدك في الإفتاء، محتسبا عليك من كلمتين ألقيتهما في مناسبتي الإنتخاب والتنصيب فجاءتا متكاملتين في عرض الشأن الديني والوطني بواقعية وشمولية وإبداع فكري، تناوله الإعلام يوم أمس بكامل الإعجاب والتقدير، وبالأمل بأن تكون إطلالة المفتي الجديد، إشراقا لأيام جديدة بكل معطياتها وتوقعاتها، فما سمعه اللبنانيون من سماحتك أشار إلى عالم جليل ومفكر أصيل ووطني حتى الأعماق، تبشر إطلالته السمحة بوضعيـة جديدة لدار الإفتاء، تأخذ دورها وفعلها الرائد في ترسيـخ الإطلالة الإسلامية القائمة على أسس الإيمان وإحقاق السلام الأهلي والإنفتاح على كل الطوائف والمذاهب والإعتدال في كل التوجهات والمواقف وقد جاءت الكلمتان تدلان على مفتٍ عالي الشأن، في هدوئه ورصانته وعمق فكره الديني ومتابعته للأحداث، وجهوزيته اللافتة لتولي موقع القيادة، في وقت عزت فيه القيادات على كثير من المواقع، فجئت إلى الإفتاء بفكر ونهج وأسلوب أطلقته منذ البداية المباركة للناس وللإعلام وللمراقبين في الداخل والخارج، فإذا بك ذلك الرجل الذي يتمناه اللبنانيون، كل اللبنانيين، لمواقعهـم القيادية المؤثرة، الدينية منها علـى وجه الخصوص، وإذا بك رجل الوطنية المدّمسة والمشبعة بالإعتدال، الإعتدال، رجاء الناس في هذه الأيام التي كثر فيها مجانينها وعم فيه جنونها، فسادت في بعض الأوساط المرذولة، لغات غريبة عجيبة، وممارسات غاشمة مجرمة، تلقي الكلمة، فكأنما تطلق سيلا من الصواريخ على رؤوس المواطنين، وعلى وعيهم وإدراكهم، وتمارس الحياة العامة من خلال السيوف والسكاكين، تذبح بها الناس وكأنها تذبح خرافا، وتقتل فيها الأبرياء وتخترع لهم تهما لا تهمة فيها، وذنوبا لا ذنب يعتريها. وحظنا أننا من أبناء هذه الأيام الغاشمة، وحظ سماحتك، أن الله عز وجل، قد اختارك لهذا الموقع القيادي الحافل بالمسؤوليات الجسام والمتطلبات القاسية، وستجد من حولك أبناءك وأخوتك ومواطنيك يواكبونك في المسيرة الخطيرة التي ستخوض غمارها بكل الكفاءة والريادة والنجاح.

سماحتك، انتخبت مفتيا في موقعين متكاملين متضامنين:

فأنت أولا: مفتي بيروت المحروسة… دائما وأبدا، مدينتك الغالية التي تعلم كل العلم كم كانت تعاني من جملة من الأوضاع المريبة والمضطربة التي تسودها، حتى لبات أبناؤها يحنون إلـى الصـورة الصافية الأصيلـة التي لطالما شكلت عراقتها وأصالتها، مفصلا أساسيا يجعل منها طليعية بين مدن العالم، فهي عاصمة هذا البلد الذي يزهو بصفاته ومميزاته ولطالما أطلت بيروت من خلالها، تلك الإطلالات البهية المثبتة لصفاتها المتميزة، ووطنيتها وعروبتها وانفتاحها على كل الأفكار والتوجهات والإطلالات الحضارية الرائدة.

ولطالما عانت بيروت من مظالم عديدة، تكتمت على الكثير منها، وعانت من نتائجها المجحفة، حرصا شديدا منها على وحدة وطنية مضطربة، نتيجة لما يلقى في مياهها الصافية من أحجار وأقذار، ويرافق بيروت المحروسة في أوضاعها المستهدفة، جملة من المدن وبعض من القرى وفي طليعتهـا، طرابلس وصيدا وعرسال وعديد من المدن والقرى في شمال لبنان وبقاعه، وكأنما كتب على هذا المجتمع المجاهد في مسيرته الدائمة نحو تكريس اعتداله وانفتاحه وأصالة توجهاته أن يكون في حالات متتابعة ومتتالية مرت عليه، من خلال مسيرة ضاغطة مكابرة مغامرة، حلت في ربوعه وعبثت باستقراره وكالت له جملة من التهم التي هو منها براء. وبقيت بيروت وأخواتها من المدن والقرى المذكورة، صامدة صابرة، ضاغطة على أوجاعها، حكيمة في تصرفاتها، متجاوزة لكل الصغائر متصدية لكل الكبائر.

صاحب السماحة، بيروت وأخواتها تشد على يديك وتدعوك لأن تكون علـى رأس المكابدين الصامدين، قائدا دينيا لمسيرتهم، وعونا لهم في المكاره والمظالم، وإنك لعلى ذلك صابر وقادر.

سماحتك أيضا، مفتي الجمهورية اللبنانية كلها، مفتي المسلمين جميعا، ونسمح لأنفسنا بأن نبسط بياض عمامتك الناصع، على إمتدادات هذا الوطن اللبناني المعاني والمكافح والصامد أمام أحزانه ومكارهه. هنا أنت مفتي هذا الوطن، مفتي الجمهورية اللبنانية المتلهفة إلى العدل والإعتدال وإلى الوطنية الحقة الشاملة لكل اللبنانيين في كل مواقعهم وتطلعاتهم إلى رفض لكل هذه الأفكار والتصرفـات والإنتهاكات الخاطئة التي تطل ببعض من رؤوسها السامة في كل مكان، وفي طليعتها تلك الحركات التكفيرية التي خالفت كلام الله عز وجل، وتعاليم الإسلام السمحة، لتعمل في الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وفي طليعتهم أهل السنة والجماعة من المسلمين الأقحاح، قتلا وذبحا وإيذاء وتنكيلا وتدميـرا في الحجر، وانتهاكا لعقول البشر وولاءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية المختلفة.

إنها مستجدات مؤسفة ومؤلمة تطاول العالمين العربي والإسلامي عموما، بما فيه لبنان، حيث اختطف أولئك التكفيريون القتلة، خيرة من أبناء هذا الوطن من مختلف الطوائف والمذاهب وجنودا عاملين في صيانة أمنه وحماية أبنائه وتخليص شعبه من عنعنات الطائفية البغيضة، فإذا بهم رهائن تنتهك حياتهم دونما ذنب أو اتهام جرمي أو أغلاط ارتكبوها من أي نوع كانت. هي العقيدة المفتعلة والمختلقة التي أطلقت العنان لنفسها ولغايات شريرة محضة، مشوهة بها ما أمكنها من سمعة الإسلام السمح والشريعة العادلة، ويشهد الله أن هؤلاء، في ما قاموا به، قد أفلحوا مع الأسف، في اختلاق لطخات سوداء حاولوا إلصاقها بالإسلام، ولكن الإسلام في صورته الحقيقية الراسخة ناصع البياض والطهارة، وسيعلم هؤلاء أي منقلب سينقلبون.

صاحب السماحة. هذا هو الوطن في صورته القائمة،بكل ما يغشاها من سواد واضطراب.

وهذه بيروت وأخواتها، بكل المعاناة الشديدة والمتعددة الجوانب، هي تعيش في ضميرنا جميعا شعبا ومسؤولين، وهي باتت بشكل خاص في عهدة ضميرك الإسلامي والوطني ورعايتك الأبوية وفي عنايتك الفائقة.