نجحت حكمة قيادة الجيش اللبناني والقوى الامنية، في نزع فتيل فتنة كادت أن تنفجر بين بشري والضنية، على خلفية النزاع العقاري التاريخي بين المنطقتين على منطقة القرنة السوداء، واثر مقتل الشابين هيثم ومالك طوق بظروف غامضة، لا تزال التحقيقات جارية حولها.
وكشفت حادثة القرنة السوداء هشاشة الاوضاع الامنية على الساحة اللبنانية، وسهولة استغلال الطابور الخامس، والايادي المشبوهة لهذه الاوضاع والنفاذ منها الى احتمالات امنية شتى، ووفق اجندات خارجية لا تزال تستهدف أمن البلاد ووحدته، وتنفخ سموم التقسيم والفدرالية.
لحظة وصول جثمان الضحية هيثم طوق الى المستشفى في بشري، ساد التوتر المنطقة وشحنت النفوس المهيأة سلفا، وصدرت دعوات الاستنفار العام. وعلى المقلب الآخر فوجيء اهالي الضنية بالحادثة الخطرة، وأجمعت مرجعياتها السياسية والاجتماعية والشعبية على التنديد، واتهام الطابور الخامس بها.
مسارعة الجيش الى تمشيط المنطقة وتعزيز دورياته، اسفر عن لجم كل محاولات التفجير المحتملة، وعمل على ضبط الاوضاع، مترافقا بسيل من بيانات الاستنكار والتنديد بالجريمة من قبل اهالي الضنية وقياداتها، والتضامن مع عائلات الضحيتين، واصدرت بلدية بقاعصفرين بيانا استنكرت فيه الجريمة، واعتبرت ان ابناء الضنية وبشري عائلة واحدة.
جريمة القرنة السوداء فتحت ملف النزاع العقاري على المنطقة، والذي ينتظر حسما قضائيا لهذه القضية المزمنة، التي تشهد بين حين وآخر احداثا امنية خطرة تنذر بعواقب وخيمة.
وكانت هذه القضية قد شهدت تطورات في الآونة الاخيرة في ظل غياب الحل الجذري، وغياب السلطات الرسمية، في وقت تحاول فيه جهات مشبوهة توظيف النزاع العقاري على هوية القرنة السوداء في السياسة بغلاف طائفي ومناطقي. والصراع على هذه القمة الاعلى في لبنان ناجم عن كونها احدى اهم الخزانات الجوفية للمياه في لبنان، يستفيد منها ابناء بشري والضنية.
كما شهدت المنطقة منذ فترة عدة حوادث امنية، ترافقت مع شحن طائفي على مواقع التواصل الاجتماعي وسيل من السجالات والتهديدات، اخطرها بيانات بعض المرجعيات السياسية والحزبية. واتخذت بعض الاحداث بعدا امنيا كاد ان يتطور لولا تدخل الجيش، منها حادثة الاعتداء على «قساطل» المياه التي يستفيد منها مزارعي جرد النجاص في قضاء الضنية لري اراضيهم الزراعية، ثم حصول تعديات على ثلاجات المياه في بشري، وفي كل مرة كانت الاوضاع تتوتر الى حدود الانفجار.
ومنذ عدة سنوات انشأت الحكومة اللبنانية مشروع بحيرة عطارة للاستفادة من المياه الجوفية لري الاراضي الزراعية. لكن فجأة توقفت عملية استكمال المشروع.
ومنذ اشهر مضت حصل اطلاق نار على قطيع ماشية لمزارعين من الضنية، ثم زخات من الرصاص من مواطنين من الضنية اثناء تفقدهم لاراضيهم، وصولا الى جريمة امس الاول التي كادت ان تأخذ المنطقة ومعها البلاد الى المجهول القاتم.
وعي وحكمة القيادات الامنية والسياسية ادت الى ضبط الانحدار ووقفه، واخذه نحو مسار القضاء، حيث التحقيقات جارية لكشف الملابسات وتوقيف الفاعلين، سيما ان بيانات الضنية وبشري تلاقت على سحب فتيل الانفجار ووأد الفتنة في مهدها، لكن لا يعفي حكومة تصريف الاعمال من مسؤولية ايجاد الحلول للنزاع العقاري على القرنة السوداء والاراضي المحيطة بها.