Site icon IMLebanon

مصالحة تاريخية بين «العرب» و«حزب الله»

بعد مرور نحو الـ1000 يوم من اللااستقرار… خلدة تعود إلى الاستقرار

«انه إنجاز فعلا خصوصا في هذه الظروف التي يمرُّ بها الوطن» بهذه العبارة يصف أحد شباب العشائر في خلدة بتعليقه عما توصل إليه المفاوضون المعنيون مطلع الاسبوع الماضي من إطار تسوية للوضع ما بين العشائر في خلدة وحزب الله، ومضمون هذه التسوية يقضي بإنهاء الملف جذريا ويتوّج بمصالحة «تاريخية» بين العرب وحزب الله..
إذن السؤال هنا، وبروح إيجابية الطرح وتفاؤلية النظرة، هل ومتى تعود نسمات الاستقرار والأمان ودورة الحياة الطبيعية الى روابي وتلال وساحات خلدة وذلك على شتى الأصعدة؟، وخصوصا بعد أن عانت هذه المنطقة وأهلها وقاطنيها من الآلام والأوجاع طوال السنوات الثلاث الماضية بسبب اللااستقرار والأحداث الأمنية التي وقعت فيها طوال هذه الفترة، وهي منطقة – بالمناسبة – لها حيثيتها الاستراتيجية والسياحية والمجتمعية، تتسم بالحيوية والأهمية والمحورية.
قبل الإجابة على السؤال المطروح أعلاه، لا بد أن نشير ان هذه التسوية تم الإعلان عنها مطلع الاسبوع الماضي وذلك بعد الاجتماع شبه الدوري الذي تعقده لجنة مفاوضين تمثل كل الأطراف المعنية وذلك في مقر إدارة المخابرات لقيادة الجيش،  وهم النواب: نبيل بدر، محمد سليمان، عماد الحوت والمختار  يونس الضاهر والشيخ علي موسى، (عن عشائر العرب) والنائب محمد شري والمسؤول الأمني علي أيوب (عن حزب الله) وبحضور كل من العميد طوني قهوجي مدير المخابرات في الجيش والعقيد طوني معوض مدير فرع مخابرات جبل لبنان.
وباختصار شديد، وبحسب المعلومات، فإنّ الحل الذي رسمته  التسوية يقضي بصدور أحكام مخفّفة ومدروسة بحق معظم المدّعى عليهم وجاهياً (25 شخصاً بينهم 19 موقوفاً) وتكتمل التسوية في إقامة مصالحة شاملة بين أهالي خلدة. والمرجح أن تصدر هذه الأحكام قبل شهر رمضان المبارك ومن الممكن جدا أن يرافقها إطلاق  سراح بعض الموقوفين نتيجة انتهاء مدة محكوميتهم.
من جهته، النائب محمد سليمان (نائب عكار، ومن أبناء عشائر العرب) يقول لـ«اللواء»:
«بصراحة وبشفافية ان الحكمة ومنسوب الجدّية والمسؤولية والإيجابية عند كل الأطراف وأعضاء ممثليهم في اجتماعتنا وقيادة الجيش هي العامل الأساسي التي أوصلتنا الى هذه التسوية لملف صعب عانى منه أهلنا في خلدة، وكاد يؤثر على السلم الأهلي في البلد وهذا لن نسمح به أبدا»، ويشير سليمان الى ان «مضمون الأحكام لن تظلم أحدا، والناس جميعا في هذه المنطقة ستعيش مع بعضها البعض»، ويوضح سليمان (الذي يعتبر ضمنا هو نائب العرب في المجلس النيابي) «لن يسمح لأحد بأن يتاجر بدم العرب، والعشائر لن تكون وقودا لأي فتنة في هذا البلد الذي يقوم على العيش المشترك». ويختم سليمان «انه تم تحديد سقوف محددة للأحكام، والأمور متجهة بشكل صحيح وتختم بمصالحة شاملة تعيد الاستقرار الى المنطقة».
النائب الدكتور عماد الحوت (بيروت) والذي شارك مع زملائه محمد سليمان ونبيل بدر بزيارة العشائر العربية في السعديات منتصف الاسبوع الماضي يتحدث لنا بهدوء وعقلية العارف ومنهج المتزن والمسؤول حيث يقول: «نعم سيعود الاستقرار والحياة الطبيعية الى خلدة بإذن الله، وبالنسبة للتسوية التي بذل جميع المعنيين جهودا مميزة تقوم باختصار على أمرين أساسيين وهما: إصدار أحكام مدروسة، والوصول الى مصالحة شاملة تعيد الحياة الطبيعية الى منطقة خلدة».
المختار يونس الضاهر (مختار القبة الشويفات، وهو من العشائر في خلدة) وهو الذي بموضوعية مطلقة من جهة العرب كان حريصا على مواظبة الحضور لكل وكافة اللقاءات التفاوضية طوال السنتين الماضيين، يقول لـ «اللواء»:
«حول المسألة عموما لي ثلاث نقاط محددة، وهي التالية:
الأولى، للأمانة لمسنا جدّية وحرص ومناقبية ومسؤولية وطنية  عالية لدى إدارة المخابرات في قيادة الجيش، وهذا الجانب تجسّد بكل من مدير المخابرات العميد طوني قهوجي، والعميد طوني معوض مدير مخابرات جبل لبنان، وهي بالتأكيد نامية وعن توجيهات حكيمة وجادة من قائد الجيش جوزيف عون، وما أشير إليه هنا لمسناه في فن إدارة الاجتماعات (قاربت العشرين) ومهارات الإدارة التفاوضية وأساليب التحفيز عند كل الضباط: قهوجي ومعوض، وذلك حرصا من القيادة على إنهاء الملف بشكل وطني وحكيم».
ويضيف الضاهر: «أما على مستوى خلدة وأهلها العشائر هنا، حيث نعتز في الانتماء الى منطقة الجبل وارتباطنا بها ارتباط الروح بالجسد وحريصين جدا على ديمومة العلاقة الطيبة مع أهلنا في الجبل، وهنا لا بد أن أشير الى المسؤولية التي تميّز بها كل ممثلي الأطراف والأحزاب خلال العملية التفاوضية طوال ما يزيد عن السنتين رغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهتنا جميعا طوال هذه الفترة».
ويوضح الضاهر «لا ننسى ان الجهود والمواقف والحكمة العالية التي أبدتها دار الفتوى وسماحة المفتي تحديدا كان لها الأثر الحيوي في ما وصلنا إليه، وطبعا كل النواب الكرام الله يعطيهم العافية على هذا الإنجاز الوطني».
ويختم المختار الضاهر (وهو من جيل الشباب في خلدة): «بإذن الله ستعود الحياة والأمان والاستقرار الى خلدة، وتبقى العشائر وديوانياتها عاجقة بالحيوية والنشاط راية الدولة والمؤسسات والعيش المشترك، حيث لا ننسى كل الأطياف والمكونات في خلدة تتعايش بروح الأسرة الواحدة، وما أحوجنا لروح الأسرة الواحدة في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها اللبنانيون».
بالمحصلة والتحليل، وبعد أن اطّلعنا على آراء المعنيين في ملف خلدة، قد نصيب أو نخطئ إذا أبدينا النقاط التالية حول المسألة برمّتها وذلك بأقصى ما يمكن من شفافية وموضوعية وهي التالية:
أولا: لا شك ان كل الأطراف وطوال ثلاث سنوات ترسخ لديها ان الدولة والجيش ومسلّمات العيش المشترك كلها أركان الحياة السليمة في هذا البلد.
ثانيا: حسب ما يرى متابعون ومراقبون للملف وطوال سنوات ثلاث، يرى هؤلاء ان قيادة الجيش عموما وقائد الجيش تحديدا كان لديها الإصرار والجدّية والعزيمة الكبيرة للتوصل الى ما وصل إليه من تسوية، حيث تعتبر هذه النقطة جوهرية ومركزية في إنهاء الملف.
ثالثا: هنا ندخل الى حزب الله، نرى ونقدّر ان عملية صنع قرار المشاركة التامة والموافقة المسرولة على جوهر التسوية أتت – واضح – بعد قراءة معمّقة وحسابات دقيقة، خصوصا ان منطقة خلدة حيوية ومحورية للكل، ولا بد من تنفيس اراحة المنطقة وتخفيف بل إنهاء الاحتقان ناهيك أيضا عن ظروف البلد والملفات الكبيرة كثيرة.
رابعا: العشائر «التي خسرت الكثير من نعمات الحياة الطبيعية»، إنما ربحت الكثير أهمها هو تمسّكها بمؤسسات الدولة وانتمائها الوطني وحرصها على العيش المشترك رغم كل التحديات ومن أبرز هذه التحديات شعورها أحيانا بانه قد تخلت عنها مرجعيات معنية.
خامسا: لا بد من كل جنبلاط وارسلان أن يقوما بعمل بحثي وتقييمي بأسلوب علمي لكل جزئيات هذا الملف الذي جرت وقائعه على بوابة الجبل (خلدة)، بغض النظر عن أي موقف انتخابي أو سياسي أو أمر آخر ظهر من أفراد من العرب.
ونختم هنا، ان حفظ الكرامات والحقوق والوجود والدور هي مسائل كلها من واجبات الدولة الوطنية الحديثة والعادلة.