IMLebanon

تسوية تاريخية ونظام إقليمي جديد

نحن في رُبع الساعة الأخير قبل أن تأخذ المنطقة شكلاً مختلفاً عمّا هي عليه الآن. مهلة الثلاثة أشهر للتوقيع النهائي على الاتّفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي، تبدو «فترة سماح» لمختلف دوَل الإقليم «المتضرّرة» من هذا الاتفاق، لترتّبَ أولوياتها وخططِها مع ما سيترتّب على هذا الاتفاق مِن واقع إقليميّ جديد.

مَن يقرأ بنود الاتفاق – الإطار بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، يستنتج أنّ الطرفين أنجَزا الشقّ التقني المتّصل ببرنامج إيران النووي للأغراض السلمية. والإعلان عن «اتفاق مبدئي» يشَكّل خطوةً فنّية وسياسية أوّلية، في الطريق نحو الإعلان السياسي المتوقّع في الثلاثين من حزيران المقبل.

وعليه، ستكون الأشهر الثلاثة المقبلة، حافلةً بالأحداث والتطوّرات السياسية والأمنية والعسكرية. ثَمّة مسارٌ سياسيّ إيراني – تركي افتُتِح من خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الى طهران.

مصالح البلدان تبدو أكبر من نقاط الخلاف، والأتراك يعلمون أنّ عائدات الانفتاح ورفع العقوبات الجمهورية الإسلامية ستمرّ عبرَهم بنسبة كبيرة. وهذه المصالح الاقتصادية المتبادَلة، ستجعل من الطرف التركي والإيراني مستعدَّين للبحث في تسويات سياسية في القضايا موضوع الخلاف بين الجانبين.

التفاهم الايراني – التركي وحدَه لا يكفي. الطرفان بحاجة لمظلّة عربية تظَلّل حضورَهما في المنطقة. ولا نقاش في أنّ مصر والسعودية قادرتان على تأمين هذه المظلّة في إطار محاولة تشكيل نظام إقليمي عربي – إسلامي يَشمل هذه الدوَل، ويَعمل على حلّ الأزمات في كلّ من سوريا والعراق واليمن والبحرين وليبيا.

البديل عن هذا النظام الإقليمي سيكون مزيداً من الاقتتال والصراعات المذهبية والتفتيتية، أي أنّ البديل هو «المشروع الإسرائيلي» للمنطقة، والذي يهدف فيما يهدف إلى تقسيم وتفتيت كلّ البلاد العربية وتحويلها إلى دويلات متناحرة وأسواق مستهلكة للمنتج الذي يصنعه المجتمع الرأسمالي، غير المتضرّر من تقسيم بلادنا، في حين أنّه يدير الصراعات ويغذّيها ويؤجّجها لمصلحته.

كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن دوَل الخليج بالغُ الخطورة. فيه جملةٌ واضحة تنذِر بنَقل الاضطرابات إلى هذه الدوَل بغية خَلخلتها وتفتيتها أيضاً. أمّا قوله إنّ إيران لا تشَكّل خطراً، فهو صحيح، لكنّه يُمهّد للجملة التي تليها، وهي أنّ الخطر ينجم عن «الشباب الغاضب» والعاطل عن العمل. ألم يكن الكلام نفسه قد صدر عن واشنطن قبَيل أحداث «الربيع العربي»؟ ألم يخاطب أوباما الرئيس حسني مبارك بهذه اللهجة عندما زارَ القاهرة عام 2010؟

أصبح إنشاء نظام إقليمي عربي – إسلامي، يؤمّن الاستقرار والأمن حاجة وجودية لكلّ دوَل المنطقة، وفي مقدّمها دوَل الخليج. وكذلك إيران مهدّدة بمحاولات الغرب زعزعتها من الداخل تحت العناوين ذاتها.

ولكي يصبح إنشاء هذا النظام متاحاً لا بدّ أوّلاً مِن تسوية «تاريخية» بين إيران والسعودية، وهنا يمكن أن تلعبَ مصر دوراً مؤثّراً يقضي بطمأنةِ دوَل الخليج حيال مخاوفِها من إيران، وذلك من خلال تفاعل إيجابي بين القاهرة وطهران وتغليب المصالح العربية والإسلامية على مطالب الغرب وخططِه ومصالحه.

التسوية بين إيران والسعودية تحتاج البحثَ عميقاً في ملفّات الخلاف، من سوريا إلى اليمن مروراً بالعراق، وهي تاريخية، لأنّ حدوثها سيحاصر الفتنة المذهبية المستعِرة على مساحة المنطقة.

مصر وتركيا بحاجة إلى تطبيع العلاقات وإنهاء حالة العَداء. والمختبَر الفعلي لتحسّن العلاقات بين الطرفين موجود في ليبيا، وبهذا المعنى يمكن الإفادة من قطر وقدراتها المستجدّة في شمال أفريقيا.

الوقت حانَ لاستنقاذ المنطقة من وحشِ التفكيك والتقسيم وما يترتّب على ذلك من تداعيات مظلِمة وقاتلة لكلّ دوَل ومجتمعات الإقليم. عندها سيتحَقّق حلمُ «إسرائيل من الفرات إلى النيل»، ولكن ليس بقدرات وقوّة إسرائيل بل بضعف العرب والمسلمين واندفاعهم الخطير نحو الفتنة.