في دولة القانون والمؤسسات يجب ألا يكون أحد فوق المحاسبة والملاحقة أمام القضاء إن ارتكب أي جرم، وفي طليعة هؤلاء يجب أن يكون الرؤساء والوزراء والنواب لا سيما إذا أخلوا بواجباتهم وإذا ارتكبوا جرائم توضع تحت خانة الفساد والسرقة وهدر المال العام.
هؤلاء جميعاً هم في الأساس يعملون لدى الشعب اللبناني وهم في الدرجة الأولى مسؤولون تجاهه وواجبهم الأول هو الحفاظ على الدولة وخزينتها وإدارتها وقطاعاتها والتي هي ملك للشعب اللبناني وتموّل من الضرائب التي يدفعها، وبالتالي أصبح هؤلاء مسؤولين امام اللبنانيين الذين يحق لهم أن يحاسبوهم بمختلف الطرق المشروعة وفي مقدمها القضاء.
كل هؤلاء يتمتعون بنوع من الحصانة المطاطة التي حمت وتحمي جميع الذين تدور حولهم شبهات بالفساد، رغم الأصوات التي تتصاعد بضرورة إسقاط هذه الحصانات كي تكون ملاحقة هؤلاء متاحة أمام القضاء اللبناني العادي، فلا يجوز مثلاً لمن “يسرق” ربطة خبز أن يلقى القبض عليه ويحال فوراً إلى التحقيق والمحاكمة، أما من يرتكب السرقة العامة والفساد العام يبقى بمنأى عن الملاحقة تحت ذريعة الحصانة وعدم فعالية الآليات الموجودة حالياً لمحاسبة هؤلاء، كالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وهو مجلس ولد ميتاً ومعطلاً ولا سبيل إلى قيامته في أي شكل من الأشكال.
إن المطلوب حالياً هو عدم التحايل على المحاسبة والقول بتخفيف قيود الحصانة عن كل المسؤولين الحاليين والسابقين، فالجدية في هذا الموضوع تقضي بأن تُسقط بشكل قانوني ودستوري كل الحصانات عن المسؤولين الحاليين والسابقين، وان تتم ملاحقة من يشتبه بتورطه في الفساد وسرقة المال العام وهدره أمام القضاء العادي، علماً أن من ليس متورطاً في هكذا جرائم عليه ألا يخشى فقدان هكذا حصانة، فحصانته هي من نتاج ممارسته الناجحة والصادقة لمهامه والتزامه بالقوانين والدستور وبالمصلحة العامة للدولة والمواطنين.
هذه الخطوة لا يمكن أن تحصل إلا بوجود سلطة قضائية مستقلة في شكل تام تنتج نفسها بنفسها من دون أي تدخل من السلطة السياسية لا من قريب ولا من بعيد، فهذه السلطة أثبتت أنها أكبر من يتهدد القضاء والعامل الأول في تعطيله وفساده والحؤول دون إطلاق أي مسار لمحاسبة الفاسدين، لا بل هي السبيل إلى حمايتهم والتشبث بمواقعهم.
في لبنان أصبح شعار مكافحة الفساد كمقولة “المنعطف التاريخي” التي استخدمها حكام العرب كواحدة من وسائل غش شعوبهم، فما زال العرب ينتظرون نتائج هذا “المنعطف” وما زال اللبنانيون ينتظرون أن يروا فعلاً مكافحة الفساد، ويبدو أننا سنبقى نحن والعرب ننتظر إلى ما لا نهاية، هم ينتظرون المنعطف ونحن ننتظر مكافحة الفساد.