IMLebanon

لا نستحق أفضل من ذلك…

 

 

لعلّ الأمة تُعاقب اليوم، يسلّط الله عليها الأميركي، يحرك حكامها وأحزابها والنافذين فيها، بمن فيهم من يدّعون أنهم إسلاميون، أو كثيرٌ منهم…، يسلّط الله عليهم اليوم الجولاني، بحلته الجديدة، حيث يحاول أن يظهر اليوم بحلة جديدة، وشكل جديد، وكأنه تخلى عن الذبح والقتل وتكفير الأمة… إلخ.

يقول تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)) (آل عمران) ، والملك ليس فقط الكرسي أو العرش، بل كل ما يمكن أن تمتلكه، حتى لو كان شيئاً بسيطاً، وفي لفتة مهمة للمرحوم العلامة الشعراوي، خاطب الرئيس مبارك مستشهداً بالآية الكريمة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ…(258)) (البقرة)، بإشارة واضحة بأن النمرود، وهو من أظلم وأسوأ من تسلّم كرسياً أو حكماً، (الله الذي آتاه الملك) يعني أنت أيها الحاكم، إياك أن تظن إن وصلت إلى الحكم أو طال حكمك وازدادت قوتك، أن هذا كان بقدرتك وقرارك، بل إن الله هو الذي مكّنك من هذه السلطة.

كما أن الله تعالى خاطب المسلمين في سورة النساء عن بعض أعدائهم قائلاً: (…وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90))، كما نستفيد من قوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)) (البقرة)، إن الله يسلّط بشراً على بشرٍ وقوماً على آخرين، بحسب ذنوب العباد وما يستحقون.

نقول اليوم، والله أعلم، إن الأمة تخلت عن فلسطين، ولم تكن على مستوى المرحلة على الإطلاق، سنة كاملة وشهران وحرب الإبادة مستمرة على فلسطين ولبنان، ولم تتحرك الأمة، إلا القليل الذي لا يُقاس عليه، وقبل ذلك ما حصل من انحرافات سياسية لا تُحصى وركون إلى الدنيا، أدنّا الملوك والحكّام، ثم تساءلنا أين الشعوب، أين الحركات الإسلامية التاريخية، أين النخب الثقافية، هل التظاهرات والتحركات التي حصلت في العالم الإسلامي، كانت على مستوى ما حصل ويحصل في فلسطين ولبنان؟.

كما تكونوا يولى عليكم، لا تستحق الأمة اليوم أفضل من الجولاني، ولا أفضل من محمد بن سلمان، أو السيسي أو محمد بن زايد.

لو أنكم، لم تختاروا هؤلاء بشكل مباشر، ولكنكم بخياراتكم الفكرية وتخلّيكم عن المقاومة، ورفضكم لشعار «أميركا الشيطان الأكبر»، والبحث عن سلبيات المقاومة، والتركيز على أخطاء سوريا وتضخيم مخالفاتها في مجال حقوق الإنسان، ونحن لا ننكر ذلك، لكنكم لم تقدروا وقفة سوريا وحيدة مع المقاومة، ولم تتم إدانة قانون قيصر، الأسوأ في ما فعلته أميركا في تاريخها الحديث.

علينا أن نتذكر في هذه المرحلة كتباً كثيرة أسهبت في وصف القدرة الأميركية على التحكم في مصائر الشعوب وتنصيب الحكّام واقتالتهم، وتوجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يريده الأميركي ومن خلفه الصهيوني، ومن بعض هذه الكتب: لعبة الأمم (مايلز كوبلاند)، أحجار على رقعة الشطرنج (وليم غاي كار) ، وحكومة العالم الخفية (شيريب سبيريدوفيتش) … إلخ.

سلّط الله علينا هؤلاء، الذين أثبتوا منذ اليوم الأول أنهم ينتمون إلى فكر الخوارج، وليس لفقه أهل السنّة والجماعة. وهم يأتمرون بالأوامر الأميركية حتى لو جاءت عن طريق الأتراك أو غيرهم!.

كما لا بد من توجيه سؤال للمتحمسين: هل كان لهؤلاء المسلحين بسلاح غربي والمدعومين بالمال الأميركي وغيره، أن يحققوا شيئاً ممّا حققوه لولا قانون قيصر الذي سرق خيرات سوريا ومنع عنها كل خير. وهل كانوا قدروا على أمر، لولا الغارات الإسرائيلية التي دمرت قدرات الجيش السوري وحلفائه، ولولا هذا الدعم الإعلامي الهائل الذي يرافق «ثورتهم».

إن الأمة، والله أعلم، تُعاقب اليوم على انحرافها عن الإسلام، وعن الشعارات الكبرى التي رُفعت في يوم من الأيام. حتى صارت الأهداف الدنيوية الشخصية مقدمة على كل الأهداف الكبرى والمحترمة. إن الصورة سوداوية قاتمة، والمستقبل القريب يبدو أنه أقبح من كل التوقعات.

فأين الوعد الإلهي؟

لا يمكن أن تزول إسرائيل على أيدي قُمامة من أمثال من يحكمنا ومن يملك مقدراتنا، فالوعد سيأتي على يد «داوود» جديد يختاره الله من الأمة لينفذ وعده العظيم، الأمة لا تستحق هذا الوعد، ولكن الوعد وعد الله ولا بد أن يتحقق.

 

* رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة