IMLebanon

العلاقة التاريخية

 

لم يكن ما جرى في المملكة العربية السعودية، مساء أمس، مجرّد احتفال فني، إنما كان تظاهرة ثقافية بارزة، شاءت المملكة أن تجعلها مدخلاً الى تعزيز العلاقة مع لبنان عبر الحشد النوعي الذي دُعي الى الحضور وأقلته طائرتان خاصتان الى تلك الصحراء التي تحوّلت الى واحة للعين والفكر.

 

وليست مصادفة اختيار السيدة ماجدة الرومي لتكون نجمة هذا الحفل الكبير، قدر ما يحفظ الجمهوران السعودي واللبناني، والجمهور العربي العريض من احترام لهذه المطربة صاحبة الصوت الألماسي، التي تضفي على الفن قيمة بثقافتها وأخلاقها ومسيرتها الفنية والاجتماعية المثالية.

 

ثم انّ هذه التظاهرة، بحد ذاتها، تتكشف عن النظرة السعودية الجديدة الى المستقبل، فهي تأكيد آخر، على النهج الذي اختطه ولي العهد السعودي، الأمير الشاب، محمد بن سلمان، صاحب الفكر الرؤيوي، والحرص على الانتقال بهذا البلد العربي الكبير الى آفاق مهمة ولكنها مرتكزة دائماً على التراث الديني العظيم والتراث العربي الأصيل.

 

وأمّا دعوة مَن دُعي من الشخصيات السياسية اللبنانية الى حضور الحفل الكبير إنْ هو إلاّ دليلٌ على أنّ القيادة في المملكة العربية السعودية حريصة على ألاّ تتخلّى عن الساحة اللبنانية، ذلك أنّ ما يجمع بين البلدين من وشائج وأواصر يتعذر تعداده لكثرته، وكم كانت السيدة ماجدة الرومي بليغة في كلمتها المختصرة التي تناولت فيها هذه النقطة عندما قالت إنّ لدى اللبنانيين بيوتاً في المملكة أكثر مما لهم في لبنان، وهذه إشارة الى مئات ألوف اللبنانيين الذين يعملون في المملكة براحة وطمأنينة… صحيح أنهم يقدّمون المعرفة والجهد والكفاءة ولكنهم يحصلون مقابل ذلك على البدل المادي مقروناً بالكرامة…

 

والعلاقة الممتازة بين المملكة دولة وشعباً وبين لبنان الدولة والشعب ليست جديدة فهي ترقى الى عقود طويلة، منذ الملك المؤسّس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود، وآباء الاستقلال المؤسّسين في لبنان… وطوال هذه الحقبة الزمنية الطويلة رعت المملكة لبنان بكل عناية، ودعمته في المحافل العربية والعالمية، ومدّته باليد المساعدة في أزماته كافّةً، ولم تتخلّ عنه في أي مرحلة على الاطلاق.

 

جميع الملوك الذين تعاقبوا على العرش السعودي زاروا لبنان، وأمضوا في ربوعه بعضاً من الوقت، وخصّوه بعطف خاص… وجميعهم من دون استثناء أفسحوا في المجال أمام اللبنانيين للعمل في المملكة والإقامة فيها والاستفادة من خيراتها العميمة.

 

 

واللافت، على مدى السنين والعقود، أنّ المملكة العربية السعودية لم تتعامل مع فئة لبنانية دون أخرى، أو مع طائفة بعينها، أو مع مذهب محدّد، إنما كان التعامل مع اللبنانيين جميعاً.

 

ولو شئنا، افتراضاً، أن نجري جردة للمناطق اللبنانية كافة، لما وجدنا مدينة أو بلدة، أو قرية لبنانية لم يعمل بعض من أبنائها في السعودية، وهذا ينطبق على لبنان كله من شماله الى جنوبه، ومن البحر الى البقاع.

 

إنّ هذه العلاقة لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها أو يتجاهلها، وقد أسفرت عن خير عميم نكتفي بالإشارة الى التحويلات بمليارات الدولارات سنوياً التي يرسلها اللبنانيون في السعودية الى ذويهم في لبنان.

 

إننا إذ نرحّب بـ»العودة» السعودية الى دورها في لبنان والمنطقة، نأمل أن تكون مدخلاً الى تطوير وتعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، لأننا نثق بأنها في مصلحتهما معاً.

 

عوني الكعكي