كانت لافتة زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى مصر ليس فقط بما تضمنت من رسائل الى مختلف الأطراف العربية والإقليمية والدولية، ولا فقط من حيث أهميتها الاقتصادية والسياحية البارزة، ولا بالذات من حيث التأكيد على هذا التعاون السياسي العميق بين القاهرة والرياض، إنما خصوصاً ما تضمنته الزيارة من لمحات إنسانية شاملة أكثر ما تميّزت بلقاء الأمير محمد بن سلمان كلاً من شيخ الأزهر وبابا الأقباط في مشيخة الأزهر وكاتدرائية الأقباط، وهذا دليلٌ قاطع على مضي الأمير الإصلاحي في سياسة الإنفتاح الكبير التي يقودها.
والزيارة للبابا تواضروس مهمة جداً إذ لا يمر أسبوع من دون أن يحاول الإخوان المسلمون تنفيذ عمل إرهابي يستهدف الأقباط إما في دور عبادتهم أو في أشخاصهم… والمسلسل معروف إن لجهة الضحايا الأبرياء وما أكثرهم، أو لجهة الكنائس التي تعرضت للعمليات التي استهدفتها مباشرة.
ويسجل للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أنه أزال الحظر الذي كان مضروباً على بناء الكنائس وحتى ترميم القائم منها في عهدي أنور السادات وحسني مبارك، في وقت أنّ الأقباط هم في أساس الشعب المصري الشقيق… وهم الذين أعطوا مصر تسميتها “اجبت” وهي مشتقة من أقباط كما هو معروف.
وفي هذا السياق، يشهد للبابا شنودة الراحل أنه حرّم الحج الى القدس منذ أن وقعت تحت الاحتلال الصهيوني، كما يسجّل للبابا تواضروس الحالي أنّ مسؤولين في موسكو قالوا له: ماذا تفعلون، أنتم الأقباط هنا؟ لماذا ما زلتم هنا؟ لماذا لم تغادروا الى بلاد الله الواسعة حيث تجدون الأمان والإطمئنان؟
وكان جواب البابا بالاستغراب الشديد للسؤال، وبرفض النصيحة، وبالتأكيد على “اننا هنا في أرضنا وفي بلدنا”.
هذه المعاني أثبت الأمير محمد بن سلمان أنه يدركها جيّداً، قدر ما يدركها الرئيس السيسي الذي اختط لنفسه سياسة مختلفة عمّن سبقوه لجهة تعزيز الوحدة الوطنية المصرية.
وكم كان لافتاً أن يتلاقى شيخ الأزهر وبابا الأقباط، كل من موقعه على كلام يكاد يكون واحداً إثر اللقاءين مع ولي العهد السعودي، إذ تحدّثت المشيخة “أنّ الزيارة انعكاس للعلاقات المميزة بين مصر والسعودية والتنسيق المستمر بينهما، فيما اعتبر البابا “تحدثنا عن العلاقات الطيّبة التي تربط مصر والسعودية”، أما الأمير محمد بن سلمان فقد “ثمّن دور الأقباط في استقرار مصر والوقوف مع قضايا الأمة العربية والإسلامية”.
هذا جانب واحد من الجوانب المهمة التي تضمنتها الزيارة التاريخية التي أظهرت الوجه السياسي والإنمائي والانساني لولي العهد والتي أضاءت على أهمية هذا التعاون المهم بين البلدين العربيين الأكبرين.
عوني الكعكي