Site icon IMLebanon

«التاريخي»!

 

مصطلح «التاريخ» يرد كثيراً في هذه الأيام، باعتبار، أن بعض الشواهد المتتالية تُسجّل للمرة الأولى وتستحق تبعاً لذلك إيرادها في كتاب الزمان من دون أن يعني الإيراد قيمة استثنائية.

 

أي يمكن القول بسهولة، إن لا مثيل يُذكر لرئيس سوريا السابق بشار الأسد في التاريخين القديم والحديث.. ولذا يستحق عن جدارة أكيدة أن يدخل ذلك الباب ويُصنّف باعتباره حدثاً في ذاته.. وهذا لا بد أن يأخذ مكانه «التاريخي» جنباً إلى جنب مع الفتوحات والغرائب العلمية والفلكية والفنية والسياسية والعسكرية! فريد عصره وزمانه هذا يمكن اعتباره الديكتاتور الشمولي الوحيد الذي رمّد «بلاده» بحجَّة حمايتها. وأباد «شعبه» بحجَّة «إنقاذه» من «شرور الظلامية».

 

ستالين فعَلَ الفظاعات مع مناوئيه في الحزب أولاً وأساساً.. و«صودف» أن هؤلاء يعدّون بالملايين! لكنه في الإجمال جعل من روسيا (والاتحاد السوفياتي) قوة عظمى ويُحسب لها حساب النصف الموازي لقوة الولايات المتحدة، أقلّه عسكرياً ونووياً و«فكرياً»..

 

بول بوت بنى تلالاً من جماجم الكمبوديين (حرفياً!) ووضع ذلك في سياق بناء «الاشتراكية العظمى» وغير هذا من تخاريف الاستبداد وهلوسات الريادة و«السعادة».. لكن في آخر الحكاية انزوى هارباً في غابة قصيّة. وعندما عُثر عليه قيل إنه تلا مطالعة فخمة أساسها «الندم» على ما اقترف! واعتراف بحجم الكارثة التي أنزلها بـ«شعبه»!

 

هتلر فتك بغير الألمان! وموسوليني فتك بغير الطليان! والإثنان عَلَمَان في مسيرة الطغاة والعصابيين والمرضى في الخلاصة..

 

حتى «الأخ القائد» العقيد الراحل معمر القذافي انتبه في اللحظة المناسبة (الأخيرة!) إلى أن جماهيريته العظمى لا تفهم عليه ولا يفهم عليها.. وإن الانزواء خير دواء! وإن «تجربته الثورية» لم تبنِ له ما يمكن أن يحميه في خيمته الطرابلسية.. وإن الليبيين في مجملهم لم يستوعبوا كل الدرر الواردة في «الكتاب الأخضر».. ولا يستحقونه في كل حال!

 

هروبه تسليم بالفشل! وهذا في ذاته إنجاز يُحسب له وليس عليه! وإلاّ لو كان موهوماً فعلياً بالقدر الذي أظهره بمسرحة مبالغ بها، لبقي على الأقل حيث هو وواجه «رعاعاً» و«قصّراً» لم ينتبهوا إلى فرادته وريادته في هذه الدنيا!

 

الأكيد أنه كان «مقتنعاً» بأن أربعة عقود من حكمه الفردي وضخّه التثويري، لم يؤمّنا له ملاذاً آمناً واحداً في عاصمته! لا بيتاً! ولا خلية ثورية! ولا عائلة مستعدة لحمايته في لحظة الجدّ!

 

.. وحده رئيس سوريا السابق في مكان آخر. لا يعترف ولا يقر ولا يتواضع في ادعاءاته ولا «يرى» أنه ارتكب شيئاً غلط! و«فرادته» تحديداً أنه شمولي الانتاج: دمّر البشر والحجر. والبلاد والعباد! ولم يفصل بين الكيان والسكان. ولا بين محاربة مناوئيه وتحطيم «الدولة» ومؤسساتها وسيادتها.. حدوداً وكرامات وأعرافاً وأخلاقاً وقرارات!

 

بهذا المعنى، نعم: بشّار الأسد «تاريخي»!

 

قبله كانت سوريا وأهلها، وبعده «كانت» فحسب!

 

علي نون