Site icon IMLebanon

لم ينتهِ التاريخ في تركيا  والانقلاب الجديد على الطريق !

أقصر طريق لفهم حقيقة الانقلاب الفاشل في تركيا، هو البحث عن السر في دماغ الرئيس التركي نفسه رجب طيب اردوغان. وهو الرجل المتشبع بثقافة الفكر الاخواني المتلون الذي يجمع بين سلوك ناعم ومخملي وحريري الملمس في الظاهر بهدف دغدغة أحلام الجماهير المسحوقة بالحكم الدكتاتوري، بهدف استقطابها على نطاق واسع، بينما هو مبطن في عمقه بفكر تسلطي والغائي واستبدادي وانقلابي دموي، لالغاء الآخر أياً كانت صفته أو كان لونه! وبهذا الأسلوب الناعم وصل حزب العدالة والتنمية الاخواني الى الحكم في تركيا في العام ٢٠٠٢ وكذلك محمد مرسي في مصر، وبالغ في استمالة الجوار في المنطقة والخارج بأسلوبه المسالم الى حد اعلان نهج صفر مشاكل مع منظّره وفيلسوفه أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية الى جانب اردوغان لوقت طويل، ثم رئيساً للوزراء!

***

في عقل اردوغان كان يجري شيء آخر… ومع ازاحته منظومة واسعة من الحلفاء والمنافسين ووصوله الى رئاسة الجمهورية، اعتبر ان مرحلة التلون انتهت، ولا بد أن تبدأ المرحلة التالية العميقة، القائمة على الاستئثار بالسلطة، والعودة الى الجذور الاخوانية، والبدء ب أسلمة دولة حديثة قامت على العلمنة بعد سقوط الخلافة العثمانية فيها! بدأ اردوغان بانتهاج سياسة كاسرة ضد الحلفاء والمنافسين داخل معسكره الاخواني وخارجه على السواء. وفعل ذلك في البداية بطريقة متأنية ومتدرجة…

***

غير أن التركيبة العقلية والنفسية والثقافية للرئيس اردوغان نفسه كانت تنطوي على شخصية دكتاتورية متسلطة ومستعجلة في آن. وكان اردوغان قد مضى بعيداً في تصفية الحلفاء والخصوم في مختلف مفاصل الدولة، ولا سيما في القضاء والجيش وقوى الأمن من شرطة ودرك، ووضع يده بصورة مباشرة وحشر هذه القوى الأخيرة بقيادات اخوانية موثوق بولائها، وأغدق عليها كل النعم من التسليح والرعاية، ومع غياب ردود الفعل – الا في حدود محتملة – أعد سلفاً لوائح لتصفية ألوف من الشخصيات، ولا سيما من كبار الجنرالات في الجيش، وبدرجة أخص في القضاء.

***

من الصعب وصف ما حدث ليل ١٥-١٦ تموز ٢٠١٦ في تركيا ب الانقلاب العسكري، والأصح أن يوصف بأنه انفجار مفاجئ لاحتقان لم يعد في امكان المجتمع احتماله! وقد استفاد اردوغان من آنية الانقلاب والارتجال في اعداده، فبادر الى تنفيذ ما كان قد أعده سابقاً على الفور… اذ كيف تسنى له في غضون ساعات قليلة بعد الانقلاب من اعداد لوائح بثلاثة آلاف قاضٍ تم عزلهم على الفور، واعتقال ألف قاضٍ، مع أعداد مماثلة من كبار العسكريين والضباط من مختلف الرتب؟! ولأن العقلية الاخوانية في عمقها انقلابية وتآمرية ودموية، فإن أول رد فعل لدى بعض اخوان حزب العدالة والتنمية، كان ذبح أحد الجنود الانقلابيين على الطريقة الداعشية… وبادر اردوغان نفسه للتمهيد لاعادة عقوبة الاعدام وتعليق المشانق على الطريقة العثمانية!

***

اردوغان ما قبل المحاولة الانقلابية هو غيره ما بعدها. قبلها كان اردوغان غارقاً بأحلام جنون العظمة. وبعدها سيكون غارقاً ب جنون الانتقام السياسي! واذا عاش واستمر في الحكم بعد ذلك، فسيكون عنوان المرحلة الثالثة هو الجنون دون أن يقترن بأي وصف آخر!.. وسيقع اردوغان ضحية نفسه عندما يعتقد أنه خرج من المحاولة منتصراً بما يعطيه شيكاً على بياض في التصرف بهستيريا انتقامية. وهو يخدع نفسه بأنه وصل الى نهاية التاريخ باعلان انتصار الثقافة الاخوانية! على الأقل، فإن الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك يخالفه الرأي. وكتب مقالاً في الاندبندنت البريطانية حلل فيه ما حدث أخيراً في تركيا، وتوقع أن تشهد تركيا انقلاباً جديداً في وقت قريب، وأنه سيكون ناجحاً في المرة المقبلة! والى الغد.