IMLebanon

التاريخ يُكتب اليوم في الامارات

 

 

إنّها زيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، هذه التي يقوم بها قداسة البابا فرنسيس الأوّل الى دولة الإمارات العربية المتحدة بدعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، الذي يقيم اليوم حدثاً هو أيضاً تاريخي، تلتقي فيه الحضارات والأديان على ما يتجاوز اللقاء والتعاون ليبلغ حدّ التسامح، ويأتي هذا الحدث متزامناً مع إعلان الڤاتيكان سنة 2019 «سنة للتسامح»، وهي مصادفة زمنية جميلة سيسجلها التاريخ بأحرف من نور.

 

والبابا فرنسيس، الذي يحل ضيفاً إستثنائياً مكرّماً على دولة الإمارات قدّم لهذه الزيارة التي بدأها أمس بوصوله ليلاً الى أبوظبي بالكلام على التعايش والتسامح في الإمارات منوّهاً بالدور الريادي للمغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهي بادرة طيّبة من قداسته خصوصاً أنّ الشيخ زايد عُرف (منذ تسنّمه مسؤولية القيادة في أبوظبي أولاً ثم في رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة) بأنّه رجل التسامح والإنفتاح والكرم والعروبة، وبفضل روح التسامح الكبرى حقق الإنجازات الكبيرة، فليس بالأمر العادي أن تقوم وحدة بين كيانين أو بضعة كيانات في هذه الأمّة… والأهم أن تصمد هذه الحقبة الطويلة من الزمن، وأن تزداد ثباتاً وصموداً وقوة ومتانة واتحاداً أيضاً، ولولاه لما كانت هذه الدولة لترى الوجود ولتستمر.

 

ودليل آخر على مزايا القيادة والتسامح في المغفور له بإذن الله الشيخ زايد هو أنه توصّل مع خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز الى حلّ الإشكال المزمن بين البلدين على منطقة حدودية… فما أن التقى الرجلان حتى كان التوافق في زمن قياسي.

 

ويمكن الإسهاب في الكلام على تلك الشخصية الفذة، شخصية الشيخ زايد ومزاياه العديدة، إنما اكتفينا بإشارة سريعة الى بعض ما تختزنه من قيَم إنسانية يأتي التسامح في طليعتها.

 

وبينما بدأت فعاليات المؤتمر التاريخي، سيكون اللقاء بين قداسة البابا وشيخ الأزهر أحد أبرز معالمها وإن لم يكن اللقاء الأوّل بينهما، إلاّ أنّ حدوثه في دولة الإمارات يتخذ أبعاداً إنسانية كبيرة…

 

ولا شك في أنّ قداسة البابا فرنسيس يحمل الى دولة الإمارات، إضافة الى معالم الأخوة والمحبة، الكثير من الهواجس والهموم المشتركة بين حاضرة الڤاتيكان ودولة الإمارات خصوصاً ما يتعرّض له المسيحيون على يد الارهاب الداعشي في سوريا والعراق والإرهاب الإخواني في مصر، وبالذات اختطاف المطرانين بولس اليازجي وغريغوريوس يوحنا ابراهيم اللذين لا يزالان مجهولي المصير لا يُعرف شيء عنهما، وكذلك اختطاف الراهبات في دير معلولا، ناهيك بعمليات الذبح والتنكيل وسبي النساء الخ… ولا شك في أنّ هذا الوضع سيستأثر بمحادثات البابا فرنسيس مع الشيخ محمد بن زايد وأيضاً مع شيخ الأزهر وكذلك مع فعاليات المؤتمر… علماً أنّ بعض أنحاء أوروبا شهدت مجازر ضدّ المسلمين، كما حدث في يوغوسلافيا السابقة وما تعرّض له المسلمون في البوسنة والهرسك.

 

وأخيراً وليس آخر، عندما نتحدّث عن أنّ الزيارة تاريخية وكذلك المؤتمر تاريخي فإنما نؤكّد على أنّ تاريخاً جديداً يُكتب اليوم في أبوظبي عنوانه الإنسانية والتسامح والمحبّة واللقاء والتقارب وتعايش الأديان والحضارات…

 

وهذه قيَم أكثر ما يكون العالم في حاجة إليها في هذا الزمن المضروب بالعنف والمحكوم بالحقد والذي يتنامى فيه التعصّب الذميم بأنواعه كافة.