في الوقت الذي يعاني العالم انتشار ظاهرة العنف والارهاب، وفي الوقت الذي تعزى هذه الظاهرة أحياناً الى فئة معينة من الناس، وغالباً الى أتباع دين معين؛ صدر كتاب جديد عن العنف في بريطانيا.
اسم الكتاب:«تاريخ العنف في انكلترا»، ومؤلفه هو المؤرخ جيمس شارب.
يقدم الكتاب دراسات احصائية عن جرائم قتل الأطفال في العصر الفكتوري ـ نسبة الى الملكة فكتوريا ـ الذي يعتبر العصر الذهبي لانكلترا.
تقول هذه الاحصاءات ان خُمس ضحايا الجرائم التي شهدتها البلاد في تلك الفترة كانوا من الأطفال دون العام الواحد من العمر.
ففي ذلك الوقت لم يكن الاجهاض معروفاً أو شائعاً. فكان قتل الأطفال غير المرغوب فيهم، الطريقة الوحيدة للتخلص منهم. وكانت هذه العادة اللاانسانية شائعة في العهد الجاهلي في شبه الجزيرة العربية، وكانت تستهدف الأطفال البنات فقط. وقد حرّمها الاسلام تحريماً مطلقاً.
ويقول المؤلف ان بعض العائلات الانكليزية كانت تؤمّن على أطفالها لدى شركات التأمين.. ثم ان هذه العائلات كانت تبادر الى قتل الأطفال للحصول على التعويض من الشركات.
ويقول ايضاً ان عائلات ميسورة كانت تتبنى الأطفال اللقطاء من الشوارع أو من العائلات التي تريد التخلص منهم، وتقوم بتربيتهم، حتى اذا بلغ الواحد منهم أشده، كان يُباع في سوق النخاسة كالعبيد. فكان تبنّي الأطفال اللقطاء وتربيتهم نوعاً من أنواع التجارة بالبشر، وليس عملاً انسانياً أو اجتماعياً كما هو اليوم.
ويسجل الكاتب ملاحظة هامة، فيقول في كتابه ان النسبة الأعلى من جرائم القتل في انكلترا كانت تتم على ايدي غرباء. وانه في عام 1430 مثلاً، كانت نسبة الجريمة هي 120 مقابل كل مائة ألف من السكان. اما في الوقت الحاضر فان النسبة الأعلى من جرائم القتل تتم على ايدي الأقرباء، وغالباً ضمن العائلة الواحدة.
اما عن وسائل القتل فان المؤرخ شارب يذكر منها:
• إغراق النساء اللواتي كان يُشَك في سلوكهن الأخلاقي في الأنهار والبحيرات.
• إلباس الفتيات اللواتي يُتهمن بالثرثرة والغمز واللمز بالآخرين قناعاً يتضمن لساناً من حديد يدخل الى فم الفتاة لمنعها من الكلام.
• جلد المدانين بارتكاب جنح واعتداءات ضد الآخرين في الساحات العامة.
• إعدام المجرمين شنقاً. وقد جرت آخر عملية شنق في ساحة عامة في لندن عام 1868.
مع تطور المجتمع البريطاني اصبح يُنظر الى من يمارس العنف بدونية تحقيرية ويُعامَل وكأنه مواطن من الدرجة الثانية، واعتباره دون الناس الآخرين كرامة. وهكذا تراجعت نسبة الجريمة 70 بالمائة بين عامي 1851 و 1911. فالمدانون بالجرائم كانوا يُنقلون الى المستعمرات البريطانية البعيدة، استراليا مثلاً، ليس بنية الاستيطان، ولكن بنية التخلص منهم. وكان الاعتقاد العام هو ان هؤلاء المجرمين سوف يتولون تصفية أنفسهم بأنفسهم، في أرض لا شريعة فيها ولا قانون. غير ان أجواء الحرية التي عاشها المجرمون هناك غيرت مجرى حياتهم.. حتى أصبحت استراليا اليوم على ما هي عليه اليوم من تقدّم ورقيّ ونظام.. وفي الوقت ذاته من كراهية – او على الأقل من رفض – للمهاجرين الجدد!
المهم ان إبعاد المجرمين ادى الى انخفاض نسبة الجريمة في انكلترا حتى وصل الى 0،9 فقط مقابل كل مائة الف من السكان.
ويقول المؤلف ان مدينة لندن (في عهد الأديب الكبير تشارلز ديكنز صاحب رواية «قصة مدينتين») كانت تتمتع بالسلامة العامة أكثر من لندن اليوم. فقد كانت نسبة الجريمة فيها تبلغ 1،1 مقابل كل مائة ألف من السكان، أما اليوم فقد ارتفعت هذه النسبة الى 1،7.
ويذكر المؤلف ان الجرائم الجنسية كانت ولا تزال مرتفعة بالنسبة للجرائم الأخرى. ويعزو ذلك الى ان هذه الجرائم لم يعد مسكوت عنها.. ثم ان المواطن الانكليزي يحب قراءة قصص الجرائم الجنسية التي تنشر في الصحف المحلية.
ويشير المؤلف استناداً الى دراسات مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي الى ان الولايات المتحدة، خلافاً لبريطانيا، شهدت في عام 2015 ارتفاعاً كبيراً في نسبة الجريمة وصل الى 10،8 بالمائة مقارنة بالعام 2014.
لا يعني ذلك بالضرورة ان المجتمع الأميركي هو اشد ميلاً الى العنف من المجتمع البريطاني، فقد يعزى الأمر الى حرية شراء وامتلاك السلاح في الولايات المتحدة، وهو أمر محظور في بريطانيا. ويقدر عدد قطع السلاح في بيوت الأميركيين اكثر من عدد السكان، وذلك لأنه يكاد لا يخلو بيت من قطعة سلاح أو أكثر. واللجوء الى السلاح لحسم خلاف ما، حتى الخلاف العائلي، اصبح أمراً شائعاً في المجتمع الأميركي.
وتقول دراسة أميركية أن أخطر مكان تواجهه المرأة ليس الشارع، انما المنزل. وان مصدر الخطر عليها، ليس قاطع طريق أو مهووس جنسي، انما زوجها او عشيقها.
من هنا يبدو واضحاً انه لا العنف ولا الارهاب ثقافة مستوردة. ولا هو حكر على فئة دون اخرى من الناس. انه طبيعة بشرية منذ بداية تكوين الأسرة البشرية مع ولدي آدم عليه السلام، قابيل وهابيل. واذا كان الاسلام قدم قاعدة جدية للانسانية في هذا الشأن، فانها تلخَص بالآية الكريمة: «لان مددت اليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك، أني اخاف الله رب العالمين».
اما الذين تصرفوا بعكس هذه الآية فان الاسلام منهم براء.