IMLebanon

التاريخ يعيد نفسه لكن من دون القوات

في 23 كانون الثاني 2007 أعلن تحالف قوى «8 آذار» و«التيّار الوطني الحرّ» الإضراب العام في مختلف المناطق اللبنانيّة إحتجاجاً على سياسات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ونزل الآلاف من مناصري المُعارضة آنذاك، إلى الشوارع والطرقات الرئيسة لقطعها وشلّ الحركة في البلد ككل. وكان من المُقرّر أن تستمرّ حركة الإحتجاج إلى حين سُقوط الحكومة الموالية لقوى «14 آذار». لكنّ كان لتحرّك «القوات اللبنانيّة» الدور الأبرز في إفشال هذا المخطط، حيث نزل نحو 800 «قُوّاتي» بشكل مُنظّم وبتوزيع شبه عسكري تضمّن مجموعات صغيرة لكن عالية الفعاليّة إلى مفارق الطرقات الرئيسة في «المناطق الشرقيّة» سابقاً، وإصطدموا مَيدانياً مع المجموعات «العَونيّة» التي كانت مُكلّفة قطع الطرقات وشلّ البلد. وأسفر هذا الأمر عن تحوّل التركيز الإعلامي من مطلب إسقاط الحُكومة، والصراع السياسي بين قوى «8 و14 آذار»، إلى مسألة الصدام المسيحي – المسيحي والقوّاتي» «العوني» تحديداً، إضافة إلى تسبّبه ميدانياً بإفشال ما كان يُخطّط له من شلل للبلد.

وما أشبه اليوم بالأمس، حيث أنّ الوضع السياسي العام مُشابه إلى حد كبير، فيومها كانت جلسات إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة تفشل المرّة تلو الأخرى، كما هي الحال اليوم. ويومها كان الإعتراض على أنّ الحكومة «غير الشرعيّة» بحسب وصف المُعارضة آنذاك، تحاول مصادرة سُلطات رئيس الجمهوريّة من خلال إقرارها مشروع قانون تعديل الدستور ومرسوم فتح دورة إستثنائيّة لمجلس النوّاب، واليوم إنّ جزءاً كبيراً من إتهامات الفريق «العَوني» للحكومة الحاليّة يتضمّن إتهامات بإستئثارها بالسلطة وبتجاوزها الدُستور وبمحاولة وضع اليد على سُلطات رئيس الجمهوريّة، إلخ. لكن المُفارقة الكبيرة بين الأمس واليوم تتمثّل في نجاح رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، في تحييد «القوّات اللبنانيّة» عن مُواجهة الشارع، بحكم «إعلان النوايا» والحوار المَفتوح بين الطرفين.

وعن تأثير هذا الواقع المُستجدّ، لفتت مصادر سياسيّة مُطّلعة إلى أنّ توقيت التحرّك «العَوني» التصعيدي، أكان صدفة أم خطّة مدروسة، يُعتبر مثالياً. فالمُجاهرة برفع راية الحقوق المسيحيّة، يأتي في ضوء شعور من الخوف اللاواعي على المصير لدى المسيحيّين عُموماً، بفعل حملات القتل والإضطهاد والتهجير التي يتعرّضون لها في غير دولة عربيّة. كما أنّ توقيت هذا التحرّك يأتي في الوقت الذي يُسيطر فيه الشغور على موقع الرئاسة الأولى منذ سنة ونيّف، وفي الوقت الذي لا تُوحي الأجواء بتعيين قائد جديد للجيش، وهو المنصب الثاني من حيث الأهمّية بعد منصب الرئاسة الذي هو من حصّة المسيحيّين والموارنة بالتحديد. وأضافت المصادر عينها أنّ توقيت التحرّك «العَوني» التصعيدي يأتي في الوقت الذي كبّل الحوار البنّاء والمفتوح بين «التيار الوطني الحُرّ» و«القوات اللبنانيّة» أيادي هذه الأخيرة، وأخرجها بطبيعة الحال من ساحات المُواجهة الميدانية، وفي الوقت الذي يأمل فيه الرئيس المُنتخب لحزب «الكتائب اللبنانيّة» النائب سامي جميل فتح صفحة جديدة مع مختلف الأفرقاء، بدءاً من «البيت المسيحي»، ما يعني عمليّاً تجنّب الدخول في أيّ صدام مع أيّ طرف، خاصة مع «التيّار العَونيّ».

وتابعت المصادر السياسيّة المُطّلعة أنّ إنكفاء الفرقاء المسيحيّين عن مُواجهة التحرّكات «العَونيّة» سيُحوّل حُكماً المُواجهة إلى مسيحيّة – إسلاميّة، وتحديداً إلى مارونيّة – سُنّية، الأمر الذي يُشكّل خطراً كبيراً على إستقرار السلم الأهلي يفوق بأشواط ما حصل في 23 كانون الثاني 2007، على الرغم من الصدامات المَيدانية المُتعدّدة آنذاك، والتي أوقعت عدداً من القتلى والجرحى. وأضافت المصادر نفسها أنّه من هذا المُنطلق يشعر الفريق المسيحي المُنضوي ضمن فريق «14 آذار» بحرج كبير، فهو من جهة يشعر بخطر ترك الساحة للتحرّكات «العَونيّة» التي يُمكن أن تنزلق سريعاً إلى حدود التهوّر، ومن جهة أخرى لا يرغب بالتدخّل لإعتبارات داخليّة مسيحيّة – مسيحيّة، وكذلك حتى لا يبدو مرّة جديدة – ولوّ ظاهريّاً، وكأنّه يقف ضد المطالب والحقوق المسيحيّة!

وأكّدت المصادر السياسيّة المُطّلعة أنّه من اللافت أنّ الحرج لا يقتصر على خصوم العماد ميشال عون السياسيّين، بل يشمل القوى الحليفة أيضاً. وأوضحت أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مُعارض تماماً للتصعيد «العَوني» الحالي، لكنّه عاجز عن الوقوف بشكل مُباشر بوجه «حليف الحليف». وأضافت أنّ جهات مسيحيّة وإسلاميّة عدّة مُنضوية ضمن تحالف قوى «8 آذار» بخطّها العريض، غير مُتحمّسة للمسار الصدامي «العَوني»، ومُحرجة جداً بسبب عجزها عن المُجاهرة برفضها للتحرّك «العَوني»، علماً أنّ هذا الرفض ينطلق من إعتبارات مُرتبطة بالإستقرار العام في البلاد، ومن إعتبارات مُرتبطة بمحاذير التعرّض للسلم الأهلي وبمخاطر إعادة فتح الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة على مصراعيها، أيّ عمليّاً العودة إلى مرحلة ما قبل «إتفاق الطائف» الذي كان قد طوى صفحة مؤلمة من تاريخ لبنان في نهاية التسعينات!

وتابعت المصادر عينها أنّه حتى «حزب الله» الذي يدعم العماد عون في مختلف تحرّكاته، لا يُريد إسقاط حكومة الرئيس تمام سلام بالقوّة وبالشارع، ولا يُريد إستفزاز الشارع السنّي بهذا الشكل، أو إظهاره بموقع المَهزوم أمام التحرّك «العَوني»، لأنّ أيّ إنطباع بهذا المعنى ولوّ لأسباب مُحقّة، لا يخدم سوى المُتطرّفين الإسلاميّين، ويُساهم بالتأكيد في تحوّل المزيد من السُنّة المُعتدلين إلى الأحزاب والقوى والتيّارات المُتشدّدة والمُتعصّبة والمُنغلقة.

وختمت المصادر السياسيّة المُطّلعة بالقول إنّ التصعيد «العَوني» الذي يُحرج الحلفاء والخصوم على حدّ سواء لا يُمكن أن يؤتي بأيّ نتيجة، لأنّ طبيعة الخلافات والعقد لا يمكن أن تُحلّ بالشارع وبالضغط السياسي والمعنوي. وتخوّفت من أن يدفع الفشل المُرتقب للتحرّك «العَوني» العماد عون إلى «الهروب إلى الأمام، أيّ عمليّاً إلى مزيد من التصعيد إلى درجة التهوّر الذي لا تُحمد عقباه!