IMLebanon

سيسجّل التاريخ صدقكم في العمل الوطني

كلّما سقط نسر من نسور لبنان الاصيلين يسقط جزء من لبنان. فموت القيادات الأصيلة التي حملت القيم والترفع والوطنية طيلة مسارها السياسي يزيد حزننا وخوفنا على لبنان الذي عرفناه، لبنان الذي حلم به بُناته وسقط من اجله الشهداء، لبنان الأخلاق والمبادئ، لبنان الانفتاح والتعايش، لبنان الدولة السيدة المستقلة الديموقراطية التي قرر الآباء والاجداد إنشاءها لاحتضان كل عائلاته الروحية وضمها في ورشة وطنية واحدة لبناء دولة الحق والقانون التي توفر لجميع المواطنين الحياة الكريمة الآمنة وللأجيال المقبلة الاستقرار والامل والازدهار.

اليوم سقط الأخ والصديق عمر كرامي أحد أعمدة الوطن وركائزه الاساسية.

فيا اخي وصديقي عمر، لقد عرفتك سياسيا صادقا حر الضمير لا تساوم، وتكره المساومين على المبادئ الوطنية ومصلحة البلاد، فكنت نموذجا حيّا للصادقين مع أنفسهم، ما كان يدفعك الى الانتفاض في وجه أصحاب المصالح الذين لا يترددون، تأمينا لمصالحهم الخاصة، في التنازل عن كل المقدسات، لان مقدساتهم تنحصر في تأمين مصالحهم، ولو على حساب مصلحة الوطن والمواطنين.

ولقد عرفتك رئيساً لحكومة جمع شتات لبنان، حيث كنت الى جانبك وزيرا للتربية، نعمل جاهدين وصادقين لإعادة لملمة الدولة وجيشها وقواها الأمنية، ووضع الخطة الامنية وحل الميليشيات المسلحة، واحياء المؤسسات الشرعية ، وإعادة لمّ شمل اللبنانيين وتوحيدهم في ظل علم واحد ودولة واحدة.

نعم، لم نتفق دائماً في كيفية مقاربة القضايا والتصدي للتحديات، الا اننا لم نختلف يوما على وجوب التعاون والتواصل في سبيل تحقيق المصلحة الوطنية العليا. وهو ما يفسر كيف لصديقين مثلنا، ولعائلتين صديقتين مثل عائلتينا، ان تحافظا على روابطهما الأخوية على الرغم من اننا لم نتحالف انتخابيا، ولو لمرة واحدة طيلة مسارنا السياسي المشترك، وكيف ناضلنا معا في مراحل عدة من حياتنا السياسية في إطار جبهات سياسية جمعتنا فيها أهداف واحلام وتطلعات مشتركة.

أكثر من ذلك، كنّا، في علاقاتنا الانسانية والشخصية المستمرة والثابتة، نقدم الدليل والامثولة لكل من يتعاطى السياسة، ان السياسة ليست أحقادا وليست انانية وليست تصادما، وبالتأكيد ليست عداوات او شتائم او تبادل اتهامات، فهي عمل نبيل يعطي المسؤول فيه كل ما لديه ويضحي بكل ما يملك، يتنافس مع سياسيين آخرين لتحقيق الخير العام ولكي يسعد شعبه ويحقق امانيه. فمفهومنا المشترك للسياسة، ليس كما يمارسها البعض في هذه الأيام التعسة، كموقع للوجاهة والتكبر على الآخرين، وللاستيلاء على السلطة وتحويل وزاراتها مركزا للتسلط والنفوذ والإثراء المفاجئ غير المشروع، فالسياسة التي نعرفها أيها الفقيد الغالي، بذل وتضحية ومسؤولية.

فعلى الرغم من تباعدنا السياسي في بعض المراحل، لم تنقطع علاقاتنا الشخصية والبيتية يوما، بل على العكس من ذلك، كنّا نخرج، بعد كل مواجهة في الانتخابات وكأننا كنّا حلفاء، لا أثر سلبياً لها على علاقتنا وصداقتنا، وهو ما يدلل على كبركم ونبلكم وعلى ثقافة ديموقراطية لا يتمتع بها الا الكبار الكبار.

اًيها الراحل الكبير،

سيسجل لكم تاريخ لبنان السياسي صدقكم في العمل الوطني، وان سجل عليكم احيانا بعض مظاهر الحدة في وجه المتزلفين والكذبة والخونة والفاسدين. سيسجل لكم وطنيتكم واخلاصكم للوطن والدولة، كما سيتميز مساركم السياسي بشفافية نادرة، وهو ما فرض على الجميع احترامكم، وكان ذلك واضحا يوم جنازتك، يوم اجمع القوم على تكريمكم ورفعكم، ولو ميتا، فوق الجميع وفوق الصراعات السياسية التي فرقت الناس.

يؤسفني كثيرا غيابي الشخصي عن جنازتكم لدواعي السفر، الا انني أؤكد لكم ان المسافات لم تخفف الالم والحزن الذي غمر نفسي، ولو انني كنت اعلم ان لا مفر من القدر المحتوم، وإنني كنت اصلي الى الله ليخفف اوجاعك وآلام عائلتك.

فإلى آل كرامي الكرام الذين تَرَكُوا بصمات وطنية ونضالية عميقة من اجل الوطن، بدءا بمعركة الاستقلال وسجن الزعيم الوطني عبد الحميد كرامي، مرورا بشهيد الوحدة الوطنية ورجل الدولة رشيد، وصولا الى فقيدنا الغالي عمر، والى ام خالد وخالد ومعالي الأخ العزيز فيصل والى كريمات الراحل وشقيقه وشقيقاته وعائلاتهم وعموم آل كرامي اصدق التعازي القلبية مقرونة بالدعاء ان يتغمد الله فقيدنا الغالي فسيح جنانه وان يرقد بسلام لان الأمانة التي حملها طيلة حياته، في أياد امينة إن شاء الله.