أخذ عليّ أصدقاء كثر تشاؤمي في المقالة السابقة، وعنوانها “٢٠١٦ بتشاؤم”، إذ لم أر فيها بارقة، استنادا الى ما تتركه لنا السنة التي تحزم حقائبها اليوم. فهي تخلّف أزمات وملفات كبيرة بقيت عالقة، بل إنها ازدادت تعقيدا. وأخذ عليّ بعضهم قتامة توقعاتي بالنسبة الى السنة المقبلة، معتبرين ان بارقة الامل تبقى في الاستقرار النسبي الذي يحظى به لبنان منذ مدة، بعكس الدول المحيطة من العراق الى سوريا حيث حمامات الدم.
ردّي للتاريخ، أنني كنت معتدلا في تشاؤمي في المقالة السابقة. فأنا تحدثت عن أزمة لبنان بشكل عام ولم أذهب أبعد من الحديث عن الامور التي بقيت معلقة حتى يومنا، مثل رئاسة الجمهورية، ومؤسسات الدولة الرئيسية. لم اتحدث عن لب الازمة اللبنانية التي أرى أنها تتعدى إشكالية النظام الطائفي اليوم. ففي هذه اللحظة التاريخية لم يعد ممكنا البحث عن حلول جدية من خلال إتمام الاستحقاق الرئاسي، ولا من خلال إقرار قانون انتخاب جديد، ولا حتى من خلال البحث في استكمال تطبيق اتفاق الطائف أو الذهاب أبعد لتغيير النظام اللبناني نحو شيء من الفيديرالية التي يحلم بها البعض.
يقيني أن لبنان يواجه اليوم أزمة وجودية تتعلق بوجود إحدى طوائفه مسلحة ومؤدلجة على نحو يجعل منها مصدر تهديد لوجود بقية الطوائف. هذه هي الحقيقة المرة التي ينبغي الاعتراف بها بعيدا من التفاهمات والتسويات التي لا تلامس عمق الازمة اللبنانية.
في اختصار شديد: لن يكون لبنان بلدا آمنا لابنائه اليوم ولا في أي يوم ما دام مشروع “حزب الله”، التنظيم الفاشيستي المذهبي العسكري والمخابراتي قائما. نقول ذلك لنذكر من ينبغي تذكيرهم بأننا أمام مشروع نسف لبنان، وتحويل أبنائه من رعايا الدولة الجامعة الى رعايا الدويلة. من هنا اقتناعنا الراسخ بأن انتخاب رئيس جديد، أيا يكن، لن يشكل في أحسن الاحوال أكثر من فسحة “اوكسيجين” ضيقة لا أكثر.
لا يمكن بناء وطن لجميع اللبنانيين في ظل السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه “حزب الله”، ولا يمكن إنقاذ مؤسسات الدولة، ولا التفكير في بنائها في ظل سلاح موجه عمليا نحو صدر كل لبناني ولبنانية، باعتباره سلاحا لا يخدم سوى وظيفة اقليمية، أحد وجوهها تحويل لبنان الى ولاية تابعة لـ”ولاية الفقيه”.
إن السياسة الواقعية التي تتطلب التفكير في يوميات اللبنانيين الاساسية مهمة جدا، ولكن على اللبنانيين، ولا سيما الاستقلاليين، وهم الغالبية العظمى، ألاّ ينسوا الحقائق المُرة التي تمنع قيام وطن، والتي تجعل من لبنان بلدا يعيش دائما وأبدا في حالة حرب اهلية باردة.
لهذا السبب وحده أقول، ونحن على عتبة ٢٠١٦، إن الصورة قاتمة وستبقى قاتمة، ولن تلوح بارقة أمل قبل سقوط مشروع الدويلة وانحياز جمهور لبناني عريض الى حياة وطنية مدنية مشتركة سوية، قائمة على المساواة في الخضوع للدستور والقانون والمؤسسات …