IMLebanon

حنين «رسمي» الى هتلر!

 

غالب الظن، أنّ فيروس «كورونا» سيبقى في صدارة الاهتمامات الرسمية والشعبية حتى إشعار آخر، على الرغم من أهمية الملفات الأخرى وحيويتها. فما هي الترجمة العملية لهذه المعادلة المستجدة؟ وكيف ستنعكس على المزاج الشعبي ومقاربات السلطة للراهن والآتي من الاختبارات؟

فرض «التحدّي الوجودي» الذي يمثّله «كورونا» على اللبنانيين إعادة ترتيب أولوياتهم، مدفوعين بغريزة البقاء التي تطغى في لحظة الحقيقة على كل المسائل الأخرى، مهما كانت أساسية.

وبهذا المعنى، لم يعد الهمّ الاقتصادي المالي، على حساسيته، يتصدّر وحده لائحة الهموم اللبنانية بعدما تبوّأ المركز الأول طويلاً، ولا سيما عقب انتفاضة 17 تشرين الأول، بل أصبح يشاركه في الصدارة وربما يتقدّم عليه فيروس «كورونا»، ولو إلى حين.

 

لكنّ إنشغال اللبنانيين الطارئ بالوباء العالمي، لا ينفي حقيقة انّ الأزمة الاقتصادية المالية ما زالت جمراً مُستعراً تحت رماد «كورونا»، وهي تتفاعل بقوة خلف جدران المؤسسات المقفلة والمنازل المفتقرة إلى المداخيل الضرورية. وبالتالي، فإنّها الآن في طور تجديد خلاياها السامّة وزيادة أرقامها القاتمة، بحيث يخشى كثر من أن يتسبّب الركود الحالي، الأقرب الى الشلل التام، في مضاعفة حجمها وتداعياتها الإجتماعية والمعيشية خلال المرحلة المقبلة.

 

ومع ذلك، هناك من يعتبر انّ هذا الإنشغال الداخلي والخارجي بهاجس «كورونا» يشكّل وقتاً مستقطعاً للدولة، قد يفيدها في ترتيب أوراقها وصفوفها لتحسين شروط المواجهة مع مفاعيل الأزمة – الأم المتمثلة في المأزق الاقتصادي – المالي الذي اتخذ شكل الانهيار المتدرّج، والمستمر في «أعمال الحفر» على وقع الإنعكاسات السلبية المتأتية من الإقفال الواسع لمعظم المرافق تحت تأثير «منخفض كورونا».

 

والمقصود بهذه المقاربة، انّ ما أفرزه «كورونا» من تجميد للحراك الشعبي الذي كان يشكّل عنصراً ضاغطاً على السلطة، وصرفاً للانظار عن العقاب الجماعي من قِبل المصارف بحق المودعين، وعن التعثّر المالي للبنان بعد رفضه تسديد سندات «اليوروبوند»، إضافة إلى استغراق العالم بقاراته الخمس في مصيبة كورونا… كلها عوامل منحت السلطة في لبنان «ميني فرصة» لكسب بعض الوقت الإضافي من أجل وضع قواعد مجدية وصائبة لمحاولة احتواء الانهيار ولجمه، او على الأقل التخفيف من أضراره وتنظيم التعامل معها.

 

وإلى حين تبيان طبيعة الخطة الإنقاذية التي يجري إعدادها لتأمين خروج آمن من النفق الاقتصادي، تسعى الحكومة إلى عبور امتحان «كورونا» المفاجئ بنجاح، أو بأقل الخسائر الممكنة، لعلّ ذلك يفيدها في تعزيز رصيدها وصدقيتها، وهي التي تعلم أنّ خصومها لن يرأفوا بها اذا أخفقت، بل ينتظرون تعثّرها ووقوعها أرضاً ليشهروا خناجرهم وينقضّوا عليها.

 

لكنّ أوساطاً رسمية تلفت إلى أنّ النجاح في تجاوز اختبار «كورونا» لا يتوقف فقط على جهد الدولة، وإنما يتطلب أيضاً مزيداً من التحسّس بالمخاطر والمسؤولية لدى الشعب اللبناني، الذي هو شريك حقيقي وإلزامي في هذه المواجهة المصيرية، «وبالتالي عليه أن يتصرّف على هذا الاساس، بحيث يجب ان يعتبر نفسه معنيّاً مباشرة بالمساهمة في تحصين الأمن الصحي الحيوي ورفع مستوى مناعة المجتمع، وليس مجرّد مُتلق او متفرّج، كأنّه يقف على الحياد».

 

وبينما تُبدي الاوساط الواسعة الاطلاع تقديرها لتجاوب أغلبية المواطنين مع مقتضيات حماية السلامة العامة في هذه الظروف الاستثنائية، تُبدي في الوقت نفسه استغرابها لسلوك فئة من المخالفين او المتمردين «الذين يجازفون بتعريض حياتهم وحياة الآخرين إلى الخطر نتيجة استهتارهم ومكابرتهم، فيما التحدّي الراهن لا يتحمّل أي بطولات وهمية او استعراضات عبثية».

 

وتتوقف الاوساط الرسمية في هذا الإطار عند اكتظاظ كورنيش المنارة بالروّاد صباح الاحد الماضي، وكذلك مسيرة الدراجات النارية في كورنيش المزرعة ليل امس الأول تحدّياً لكورونا ولإجراءات الوقاية، معتبرة انّ هذه التصرفات غير مقبولة في ظل التهديد الصحي الداهم، «وتنمّ عن ضعف في حِس المسؤولية الوطنية لدى هذه الفئة التي قد يكون حجمها صغيراً، الّا انّ تصرفاتها قد تتسبّب في تداعيات واسعة النطاق».

 

وتشير الاوساط، أنّ أجهزة الدولة تحاول قدر المستطاع منع المخالفات لقرار التعبئة العامة الذي اتخذه مجلس الوزراء، «وهي تسعى إلى تفادي استخدام الوسائل الزجرية والعقابية في حق المتجاوزين، إلّا انّها ربما تضطر إلى اعتماد مزيد من التشدّد والصرامة في تطبيق تدابير الحماية العامة عندما تدعو الحاجة، لأنّ المصلحة العليا تبقى فوق كل اعتبار».

 

وفي تعليق يعكس التذمّر الشديد من سلوكيات الأشخاص الذين يخرقون قواعد التعبئة العامة بلا أسباب موجبة، تضيف الاوساط الرسمية على سبيل المزاح المعبر: أين أنت يا هتلر؟ انّ خفة البعض تدفعنا إلى أن نتمنى لو كان هتلر موجوداً بيننا في هذه الأيام الصعبة!

 

وتوضح الاوساط، انّ في حوزة الدولة أوراقاً لم تستخدمها بعد في معركة التصدّي لكورونا، «واستعمالها من عدمه مرتبط بما ستؤول اليه الأمور حتى 29 آذار الحالي»، ملمّحة إلى خيار فرض حظر التجول على نحو واضح وقاطع، اذا اقتضت الضرورة ذلك مستقبلاً.

 

وتشير الاوساط، أنّ وضع لبنان لا يزال حتى الآن مقبولاً بالمقارنة مع دول أخرى أكثر تطوراً وجهوزية تفشّى فيها الوباء، «الّا انّ الاستمرار في السيطرة على الموقف يتطلّب التعاون الواسع من المواطنين وتجاوبهم بشكل كبير مع التدابير المعتمدة، التي مهما بَدت قاسية بالنسبة إلى البعض تبقى أقل قسوة من النتائج التي ستترتّب على التراخي في تطبيقها».

 

وضمن سياق متصل، تؤكّد الاوساط الرسمية انها تتفهّم قلق السجناء من احتمال انتقال العدوى إليهم، مشددة على أنّ هناك اهتماماً بضمان توافر معايير الحماية والوقاية في السجون.

 

وتكشف الاوساط، انّ وزير الداخلية العميد محمد فهمي كان في صدد إطلاق ورشة إعادة تأهيل لبعض أقسام سجن رومية بكلفة مليوني دولار تقريباً بدءاً من مطلع نيسان المقبل، «غير أنّ فيروس «كورونا» الذي داهَم الدولة أدّى الى تأجيل إطلاق هذا المشروع».

 

وتعتبر الأوساط، أنّ القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء أمس يعكس مؤشراً إيجابياً في اتجاه معالجة واقع السجون والتخفيف من اكتظاظها.

 

وترفض الاوساط الرسمية العفو عن مرتكبي جرائم الإرهاب والمُعتدين على الجيش والقوى الأمنية، «أمّا المحكومون في قضايا عادية وارتكابات غير جسيمة فيمكن ان تتمّ إعادة النظر في أوضاعهم».