حلقت روسيا في أجواء سوريا فإذا المعركة تتجاذبها الدول الكبرى على غرار ما كان قبل الحرب العالمية الأولى.
وبعد الحرب العالمية الأولى، كان مؤتمرٌ للصلح في باريس ومنه انبثقت معاهدة فرساي التي اعتبرَتْ نزع السلاح هو الوسيلة الفضلى لتحقيق السلام.
وأنشئت عصبة للأمم لحلّ المشكلات الدولية بغير لغة الحرب ومنح الشعوب المظلومة والصغيرة حقوقها المشروعة في تقرير مصيرها.
والمشهد العالمي اليوم والعربي تحديداً، يكاد يتقهقر الى تلك المرحلة التاريخية التي أعقبتْ الحرب العالمية الأولى، فإذا الدول العربية غابات كثيفة يجعجع فيها السلاح وتنهمر فيها الدماء، والدول الصغيرة سمك صغير يلتهمه السمك الكبير، وعصبة الأمم شاهد زورٍ يفجّر العصبيات، وحكام الدول قياصرة يتربعون على مدرَّجات روما، فإذا حياة الأبرياء رهينة إصبع القيصر بين أن يرتفع إبهام يده اليمنى الى فوق أوينقلب الى تحت.
هل فكَّر أحدٌ بأعجوبة يمكن أن تقوم معها قيامة العالم العربي على أقدامه الذاتية المتحطّمة؟ وكيف يمكن أن تطبق معاهدة فرساي بنزع السلاح من أيدي الشعوب، وكيف يمكن ترويض نزعة الإفتراس البشري في نفوس الأجيال الطالعة، وإحلال الروح الحضارية محل الأرواح الشريرة؟
وهل فكر أحد بقدرة غير إلهية يمكنها استجماع أشلاء الدول العربية والمجتمعات العربية المتفككة، وإعادة الكيانات الدستورية بديلاً من الكيانات العسكرية التي رسمت بالدم؟ هل فكر أحد بأن هناك محاولة لبعثرة الكيانات الصغيرة تمهيداً لاحتوائها ضمن خرائط جغرافية جديدة، ودويلات مذهبية متنافرة؟
وما إذا كانت معاهدة سايكس – بيكو ستبعث حيّة من جديد ويبعث معها مبدأ الإنتداب بحجة مساعدة الدول المستضعفة لينتهي معها المطاف بالإحتلال أو بالإقتطاع والإجتزاء واقتسام جلد الدبّ العربي.
هذا كله يجري أمام احتضار العقل في هذه الأمة، وأمام أبصار الشرعية الدولية التي تتحكم بها المصالح وحقارة المادة على حساب القيم الروحية وحقوق الإنسان.
وهذا يجري أمام تلك التي قيل إنها عصبة الأمم التي غايتها حل المشكلات الدولية بغير لغة الحرب، وأمام الدول الكبرى التي تتربص بالفريسة العربية المنهكة:
يقول كارلوس مارتن سفير البرازيل في الأمم المتحدة: «ان الدول الكبرى إذا ما حصرت اهتمامها بمصالحها فإن كل ما تستطيع إنتاجه هو الحروب…». فيما يرى آخرون أن الأمم المتحدة إذا لم تمنعك من الذهاب الى الجحيم فلا تأخذك الى الجنة.
وبين جنّة الأمم المتحدة وجحيمها نقف نحن والعالم العربي أمام التاريخ لنتفحّص أنفسنا الى أي فئة ننتمي من الشعوب التي قسمها هتلر في كتابه «كفاحي» الى فئات ثلاث:
الشعوب التي تبدع الحضارة وتخلقها؟ والشعوب التي تحافظ على الحضارة وتنقلها؟ أو الشعوب التي تهدم الحضارة وتبيدها؟