Site icon IMLebanon

مزايدة “التحرير” خارج الإجماع السنّي

 

أثار «حزب التحرير» الغبار الكثيف مؤخراً عندما دعا إلى تظاهرة تأييد لـ»النازحين واللاجئين من أهل سوريا، الذين فرّوا بأنفسهم من بطش نظام أسد المجرم، والتجأوا إلى إخوانهم في لبنان طلباً للأمن والملجأ، ريثما تسنح لهم الفرصة للعودة الكريمة الآمنة إلى ديارهم التي ترعرعوا ونشأوا فيها»، فاختار صلاة يوم الجمعة 17 أيار الجاري محطة لانطلاقها من المسجد المنصوري الكبير وصولاً إلى ساحة النور، مطلقاً سلسلة من الشعارات التي ينفرِدُ بها عن سائر الحركات والجماعات الإسلامية في لبنان، وهي رفضه الإعتراف بالحدود بين لبنان وسوريا واعتبار الإنتماء الديني غالباً على الإنتماء الوطني، ليظهر منفرِداً في هذا الطرح الذي لا توافقه فيه لا دار الفتوى ولا بقية الهيئات الإسلامية انطلاقاً من قبول أهل السنة بالإجماع باتفاق الطائف الذي يقرّ بأنّ لبنان كيان نهائي لجميع أبنائه.

هاجم «حزب التحرير» المسيحيين واضفاً إياهم بالعنصريين وأنّهم «نسوا أنهم حَلْوا في هذه البلاد ضيوفاً على دولة الإسلام عموماً، وآخرون نسوا كيف جاؤوا إلى هذه البلاد، بل ما زالوا حتى اليوم لا يتقنون اللسان العربي، ويملكون عدة جوازات سفر وهؤلاء لا يستغرب هذا منهم، أن يعضوا اليد التي امتدت إليهم!» كما هاجم المسلمين الداعين الرافضين لفوضى الوجود السوري وخاصة رئيس الحكومة ووزير الداخلية.

تظاهرة تأييد السوريين: الحقيقة والشعارات

من حيث الشكل: لم يكن هناك أيّ جهة دعت إلى التظاهر المضاد وكان الإعلان عن تظاهرة مضادة باسم وهمي من قبل المحافظ «دعسة ناقصة» لأنّه كان يعلم بعدم إمكانية قمع التظاهرة التي يلتزم «التحرير» بسلميتها وبدا وكأنّه يتسلّى على وسائل التواصل الإجتماعي، كما أنّه شد من عصب الحزب الذي كانت قيادته تعلم أنه لن يجري قمع تحركها بالقوة.

شارك في التظاهرة حوالى 300 شخص نصفهم سوريون وفتيان ونساء، ولم يشارك فيها من خارج صفوف الحزب سوى قلّة قليلة من المشايخ الذين يتفقون معه في رؤيته للملف السوري، في ظلّ غياب كامل لدار الفتوى ولبقية التيارات الإسلامية.

كانت الشعارات والكلمات تركّز على رفض الحدود والكيانات الوطنية واعتبار لبنان جزءاً من بلاد الشام، ورغم التعاطف التاريخي لأهل طرابلس مع امتدادهم الشامي، غير أنّ الاعتبارات التاريخية نفسها تدفعهم لرفض هذه المقاربة، لأنّها تأتي في توقيت يخدم نظام بشار الأسد الذي يستعمل ملف اللجوء لابتزاز العرب والعالم.

اعتمد «حزب التحرير» لغة طائفية في مقاربة الملف السوري، فاعتبر أن المسيحيين عموماً يرفضون الوجود السوري بخلفية طائفية باعتبار السوريين مسلمين سنة، وقد نشر قياديون في «حزب التحرير» هذه المقاربة مع نشر صور للدكتور سمير جعجع، بينما تجنّب التعرّض للتيار الوطني الحرّ بشكل مباشر، وفي هذا الكلام تجاهل لواقع المعاناة الشديدة لأهالي المناطق من ممارسات السوريين الذين لا يمكن تصنيفهم على أنّهم كتلة واحدة بوجود مئات الآلاف منهم مؤيدين للنظام السوري ويدخلون إلى سوريا ويعودون منها ويقفزون على القانون وينافسون بطرق غير مشروعة ولا عادلة اللبنانيين، وهنا لا يمكن القفز على هذه الحقائق بالاعتبارات العقائدية فقط، فعنصر العقيدة لا ينسجم مع الولاء لنظام بنى وجوده على اضطهاد السنّة في سوريا وفي لبنان وما نال طرابلس منه في ثمانينات القرن الماضي وصولاً إلى تفجيري مسجدي التقوى والسلام لا يمكن تجاوزه بانعدام الرؤية السياسية.

في البعد الخارجي فإنّ «حزب التحرير» أراد بهذه التظاهرة التوجه نحو الداخل السوري حيث يخوض مواجهة مع «هيئة تحرير الشام» وفصائل أخرى وقد أراد بهذا الضخ الإعلامي والشعارات عن رفض ترحيل «الإخوة السوريين» المزايدة واستقطاب التعاطف من القواعد الشعبية في الشمال السوري وتصوير نفسه على أنه يحمي السوريين في طرابلس ويُنازل السلطات اللبنانية ويؤنّب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي وهما السنّيان وابنا طرابلس. فيكسب نقاطاً في الأوساط الشعبية في الشمال السوري.

ثمّة محطات غريبة في تاريخ «حزب التحرير»، فعندما كانت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تطالب بترسيم الحدود مع نظام الأسد، وقف الحزب معترضاً على خطوة ستبقى ضرورية، فهدف إقامة الخلافة التي ينشدها «حزب التحرير» لا يبرِّر الإعتراض على مساعي لجم الرياح السموم الآتية من النظام الحاكم في الشام.

إنّ لبنان رغم كلّ ما حصل ويحصل فيه من صراعات، يبقى بنظامه السياسي التعدّدي المتنوع ملاذاً للجميع، بمن فيهم «حزب التحرير» الذي أتاح له هذا النظام الحصول على الترخيص شبه الوحيد في العالم، وجميع اللبنانيين بحاجة إليه لتبقى واحة الحرية التي تستأهل أن يناضل الجميع لبقائها مهما اختلفت رؤاهم وانتماءاتهم.