في المواقف المُعلنة، يؤكد “حزب الله” أنّه مُلتزم الدستور و”اتفاق الطائف”، وأنّه يسعى الى تغيير النظام أو تطويره تحت هذا السقف، بعد فشل النظام اللبناني على المستويات كلّها. في المقابل، يرى معارضون لـ”الحزب” أنّه يسير على طريق الإنقلاب على النظام والصيغة والميثاق، ويطمح أقلّه الى إرساء المثالثة (المسيحية – السنية – الشيعية) بدلاً من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. ويعتبرون أنّه، حتى قبل تحقيق “مُبتغاه” تمكّن من وضع يده على البلد ومن احتكار قرار الدولة. وتتخوّف جهات عدة، ومنها دينية، من “طموحات الحزب” في لبنان. لكن عملياً، وعلى رغم المواقف الخارجية من “حزب الله” والقرارات التي تستهدفه وتضيّق الخناق على لبنان، هل إنّ “الحزب” يُسيطر فعلاً على الدولة؟ وهل يتعامل الخارج مع لبنان من هذا المنطلق؟
إنّ “حزب الله” حزب لبناني وجزء من نسيج البلد، ولا يعتمد سياسة فرض أفكاره، بل سياسة النقاش ويبقى القرار للأكثرية. كذلك، لا يسعى “حزب الله” الى أيّ انقلاب في لبنان، من الناحية العسكرية أو المالية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ويؤمن أنّ فرادة لبنان بتنوّعه. هذا ما تؤكده أوساط سياسية عدة قريبة من “الحزب”.
وتقول مصادر مطّلعة على موقف “حزب الله”، إنّه يتفهّم التركيبة اللبنانية وهواجس فئات المجتمع. وللدلالة الى هذا، تشير الى أنّ تقسيم الدوائر الانتخابية في قوانين الانتخاب المطروحة في السنوات الأخيرة، خصوصاً القانون الذي اعتُمد في الإنتخابات النيابية عام 2018، جَرت مراعاةً لخاطر المسيحيين ولمطلب القوى السياسية المسيحية كلّها برفع مستوى الاختيار المسيحي للنواب المسيحيين. وهذا ما دفع “الحزب” الى مراعاة التقسيمات والموافقة عليها، على رغم أنّها تتناقض مع “اتفاق الطائف” من زوايا مختلفة، ومع العمل السياسي الوطني الذي يقضي بأن توفّر التقسيمات الإدارية الإنصهار الوطني.
وتؤكد أنّ “حزب الله” من دُعاة تطبيق “اتفاق الطائف” كاملاً وإطلاق آليات تطوير النظام السياسي، ويعتبر أنّ أحد أسباب أزمات البلد الرئيسة أنّ “اتفاق الطائف” مُعلّق في مكان خطر، وجرى “تعليق الإتفاق في عنق الإختناق”، وتجاهُل فلسفته والآليات التي يتضمّنها والتي تتيح إلغاء الطائفية السياسية وتطوير النظام السياسي.
وينطلق اعتبار “الحزب” أنّ النظام يجب أن يُطوّر، من أنّ “النظام السياسي في لبنان لا يؤدّي وظائفه المفترضة ولا يستوعب التناقضات اللبنانية، ولا يوفّر إعادة إنتاج السلطة بطريقة سَلسة وانسيابية وبلا تعقيدات”. ويعتبر أنّه يُمكن إنتاج نظام سياسي غير طائفي أو مذهبي، من دون الوصول الى العلمنة الشاملة، التي لا توافق عليها المراجع الدينية ولا الكنيسة. ويعتبر أنّ “اتفاق الطائف” صيغة مفتوحة على التطوير، لكنها حُوّلت صيغة اختناق.
وبمعزل عن الأهداف “الإنقلابية”، الحقيقية منها، أو التي يُتهم “الحزب” بها سياسياً، لا ينتهي النقاش بين الدّاعين الى نزع سلاح “حزب الله” وفق ما ينص عليه الدستور و”اتفاق الطائف”، وبين اعتبار آخرين أنّه مقاومة مُشرّعة في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة. وفي مطلق الحالات هناك اقتناع لدى جهات سياسية أساسية عدة أنّ قرار تسليم “الحزب” سلاحه الى الدولة هو خارج الحدود اللبنانية ومرتبط بالوضع الإقليمي، الأمر الذي دفعها الى “ربط النزاع” مع “الحزب” في الحكومات، بالتوازي مع مطالبتها بتسليم سلاحه.
كذلك، يستمر الجدال السياسي حول اعتبار أنّ “الحزب” يسيطر على مرافق الدولة وعلى الحدود مع سوريا وعلى قرار الدولة… في مقابل تأكيد “الحزب” أن لا علاقة له بملفات التهريب وغيرها من الملفات المطروحة، وأنّه وصل الى السلطة عبر انتخابات نيابية شرعية ومن خلال قاعدة شعبية جماهيرية، ويلتزم مسار إدارة المؤسسات الدستورية وأخذها القرارات.
وبما أنّ “الحزب” نجح مع حلفائه في تحقيق أكثرية نيابية عبر انتخابات “ديموقراطية” الأمر الذي خَوّله المشاركة الفاعلة في الحكومات الأخيرة أو “السيطرة” عليها، تعتبر جهات معارضة عدة أنّ قرار الدولة في لبنان الآن في يد “حزب الله”، على مستوَيي الداخل والسياسة الخارجية، ولا ترى إمكانية لإعادة لبنان الى دوره وموقعه الحقيقيين التاريخيين، والخروج من الأزمات الراهنة التي سببها سياسي وحلّها أساسي، إلّا برَفع هيمنة “الحزب” ومن خلفه إيران عن الدولة والبلد، وهذا عبر انتخابات نيابية مبكرة لإعادة إنتاج السلطة. لكن من غير المؤكد أنّ هذا الرهان سيُثمر النتائج المرجوة، فضلاً عن أنّ التركيبة الطائفية لا يُمكن أن تساعد في إلغاء نفوذ “حزب الله” بالكامل، خصوصاً إذا لم يحصل “خرق انتخابي” لـ”الحزب” في البيئة الشيعية.
على المستوى الخارجي، وعلى رغم مواقف المسؤولين في أكثر من دولة فاعلة والعقوبات الأميركية على “حزب الله”، يؤكد مصدر دبلوماسي أنّ الخارج ما زال يفصل بين “الحزب” والدولة اللبنانية. ويرى أنّ التركيبة في لبنان تشبه تركيبة مجلس الأمن، حيث يملك الأفرقاء الكبار حق “الفيتو”، إنّما لا يملك أيّاً منهم حقّ القرار. ويقول إنّ “حزب الله” لو أنّ بإمكانه فرض قراره والأهداف التي يتمنى تحقيقها، مثل المؤتمر التأسيسي أو الإنقلاب على النظامين الإقتصادي والمالي – المصرفي، لفرضها سابقاً، لكن لا يمكنه الوصول الى قرار جذري لأنّ هناك “فيتوات” من أطراف لبنانية أخرى.
ويشير الى أنّ روسيا حين تستخدم حق “الفيتو” بنحوٍ مُتَتالٍ، يُقال إنّ الدولة الروسية تحكم مجلس الأمن، وحين ترفع الولايات المتحدة الأميركية ورقة “الفيتو” يُقال إنّ الأميركيين يسيطرون على هذا المجلس. وهذا هو الوضع في لبنان، حيث يعلم الأفرقاء اللبنانيون أنّ أيّ طرف لا يمكنه السيطرة بنحو كامل، ولا يملك حق القرار النهائي بل حق “الفيتو” فقط.
ويلفت الى أنّ الخارج، ومنهم الأوروبيون والأميركيون وبصرف النظر عن أيّ سياسة لضرب “حزب الله”، يتعاملون مع لبنان الآن، وفق هذه المعادلة. ولهذا، هناك حرص خارجي على استقرار لبنان، ويسلّحون الجيش اللبناني لخلق التوازن ومنع تحوّل حق “الفيتو” لدى “حزب الله” الى امتلاك القرار الجذري، وإلّا لَما كان هناك تفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة مؤتمر “سيدر” الى الواجهة، ولكان لبنان شهد مصير اليمن وسوريا.