في إطار اللقاءات التي يعقِدها فريق رئيس الحكومة سعد الحريري الاقتصادي مع القوى السياسية لاستمزاج آرائها حول كيفية معالجة الأزمة الاقتصادية، بدأ منذ أسبوع عقد جلسات مع حزب الله في السرايا الحكومية لتقريب وجهات النظر بين الفريقين
تحتَ ظلال التوتر السياسي والأمني في المنطقة، يسير رئيس الحكومة سعد الحريري مُمسِكاً العصا من منتصفها، كي لا يخلّ بأي «ستاتيكو» أو خسارة المُكتسبات. غيرَ أن شيئاً ما يبدو غريباً أكثر مما يتوقعه البعض، وهو «دوزاج» الإيجابية في كواليس «حزب الله» وتيار «المُستقبل». ففيما يؤثِر الحريري سياسة الاعتدال تجاه حارة حريك ويتخِذ قراراً بعدم التصعيد، يستكمِل الحزب رسم صورة «ودية» عن العلاقة التي تجمعهما.
منذُ سنوات، فُتِحت قنوات حوار سياسي بين الطرفين برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن ثمّ أعيد إغلاقها من دون أن يعرِف أحد درجة ما بلغته مساعي التهدئة يومَها. ومن بعد ذلك، بدا للبعض أن إجلاس «حزب الله» و«المستقبل» على طاولة واحدة غير الطاولة الحكومية أمرٌ مُستبعد، لكنه يحصل حالياً. بحسب معلومات «الأخبار» بدأ منذ أقل من أسبوعين حوار اقتصادي بين الحزب والتيار في السرايا الحكومية، لكن من دون أن يُظهّر إلى العلن. حوار ينهل من التجربة الحكومية خلال نقاش موازنة 2019، ويركن إليها لاستكمال البحث في كل الملفات المالية والاقتصادية التي يسهل على الطرفين أن يجتمعا عليها، ومحاولة الوصول الى قواسم مشتركة حول ما يزال محطّ خلاف.
الحريري بادرَ، وحزب الله بادله بالترحيب، فولدت فكرة الحوار ــــ النقاش. منذ حوالى عشرة أيام، اتصل رئيس الحكومة بقيادة الحزب، مُبلغاً إياها أن فريقه الاقتصادي يجلِس مع القوى السياسية ويستمزِج آراءها في ما يخصّ عدداً من الملفات الاقتصادية. وضمن هذا الإطار (أي لقاءات فريق الحريري بمختلف القوى) تمنى رئيس الحكومة توسّع هذه الجلسات لتشمل الحزب أيضاً، سائلاً عما إذا كان هناك فريق استشاري محّدد. وافقَ الحزب، وكلف فريقاً يضمّ النائبين علي فياض وحسين الحاج حسن، بالإضافة الى رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الدكتور عبد الحليم فضل الله، للاجتماع مع فريق الرئيس الحريري المتمثل بنديم المنلا ونبيل يموت وهازار كركلا، فتم عقد جلستين، فيما الثالثة الأسبوع المُقبل.
حتى الآن، لم يتسلّل من هذه الاجتماعات أي تفصيل. لكن المصادر على «الجبهتين» تؤكّد أن «لا أسباب جوهرية قد تحول دون هكذا لقاء»، وخصوصاً أن «هذا العام شهِد اجتماعات مكثفة بين القوى السياسية الأساسية لتقريب وجهات النظر في ما خصّ القوانين التي تواكب الموازنة». واعتبرت المصادر أنها «كانت تجربة ناجحة، قللت من الخلافات السياسية وأنتجَت أفكاراً جيدة». المصادر نفسها أكدت أن «ما يحصل اليوم هو مشابه تماماً لهذه التجربة، لكن التواصل يحصل بين الأحزاب والتيارات بشكل ثنائي لمناقشة أفكار محددة»، مشيرة إلى أن «كل الأفكار مطروحة للنقاش، من الموازنة الى سيدر، وصولاً إلى خطة ماكينزي، تمهيداً لوضع الخطوط العريضة لأي تلاقٍ». وفي هذا المضمار، تقول المصادر إن «الطرفين يعملان على تجهيز أرضية مشتركة لكل الملفات، فهناك نقاط متفق عليها وأخرى محط خلاف، فيما بعض النقاط الأخرى تخضع لنقاش عميق وتقني». ومن أهم النقاط المتفق عليها بحسب المصادر هي «منظومة التشريعات التي تتصل بمكافحة الفساد والتي يجب إقرارها بسرعة، وبعضها صدر وبحاجة الى مراسيم تطبيقية».
عُقدت جلستان والثالثة الأسبوع المُقبل
ثمة اتفاق على «قانون الصفقات العمومية واستمرار تخفيض العجز في الموازنة الجديدة»، فيما الخلاف جدي بشأن «موضوع الضرائب الذي طرح في عام 2019 ويعاد طرحه»، وخاصة أن «النقاش بين المتحاورين يتمّ كحلقة مترابطة، إذ إن جزءاً من الإجراءات يمكن اعتماده في موازنة عام 2021». المقاربات التي تحصل في الجلسات «إيجابية» على حد وصف المصادر، لكن ذلك لا يلغي نقاطاً خلافية تتم مناقشتها بشكل تقني صرف. فيما بعض الأمور «بحاجة الى مزيد من البحث»، من بينها «حجم القطاع العام وإعادة هيكلته وكل ما يتصل بإدارة أصول الدولة». وهذه الاجتماعات تؤكد المصادر أنها «محاولة، كما بقية الأطراف المشاركة، لحلّ الأزمة». فـ«التواصل بصرف النظر عن أي تطورات خارجية باتَ أمراً واقعاً لا مناص منه بالنسبة الى كليهما»، وخاصة أن «رئيس الحكومة يؤكد دائماً أن همه الحالي عنده الآن هو الاقتصاد وليسَ أي شيء آخر».