IMLebanon

“حزب الله” والحراك: الضمانات أوّلاً… والتغيير ثانياً

 

لا جدال حول قساوة الوجع الاجتماعي الذي يعانيه اللبنانيون على اختلاف انتمآتهم وتوجهاتهم السياسية. المؤشرات كانت بالجملة والإنذارات أتت من أكثر من “جرس”، لكن السلطة السياسية كابرت على الأزمة الآخذة في التمدد، وفضّلت مكوناتها الأساسية، وتحديداً “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر” تحميل الطبقات الفقيرة والمتوسطة أثقال ضرائب جديدة، لتبعد عنها كأس التنازلات عن مكتسباتها ومحمياتها المالية… إلى أن انفجر بركان غضب الشارع، بكلفة لم تتجاوز الـ20 سنتاً!

 

حرص الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته الإعلامية الأولى على أثر اندلاع الانتفاضة على تبرئة الطوفان الشعبي من أي تلوينة سياسية، لكنه في المرة الثانية فاجأ راصديه بالنَفَس التشكيكي بما يمكن لساحات الاعتراض أن تضمره بعد مرور أكثر من عشرة أيام على اشتعال البركان، محذراً من تسلّل عوامل خارجية إلى الداخل اللبناني من شأنها أن تحرف التظاهرات على وقع أجندات سياسية تعيد الاصطفاف العمودي إلى المشهد اللبناني.

 

وفق المطلعين على موقف “حزب الله”، تراكمت المعطيات والتقارير التي تدفع إلى رسم علامات الاستفهام حول مسار الحركة الاحتجاجية ومصيرها، ولو أنّ مسؤولين من “الحزب” تلقوا مع انطلاق الطوفان الشعبي ضمانات من بعض “القيادات” المحركة للشارع، بتحييد سلاح “حزب الله” من رزمة الهتافات الملهبة للرأي العام.

 

لكن سياق التطورات أثار الشكوك في أذهان قيادة “حزب الله” مما قد تحمله الأيام المقبلة في ظل الضبابية التي تسود المشهد اللبناني، دفعها إلى استعادة السيناريو السوري ووضعه على رأس سلّم الاحتمالات. يشير المطلعون إلى أنّ الحراك الشعبي فقد عفويته في الكثير من المناطق بعدما تبيّن أنّ بعض القوى الحزبية وتحديداً المسيحية تأخذ الحراك في مناطق نفوذها إلى مبتغاها السياسي.

 

ويحرص “حزب الله” وفق المطلعين على فرز مربّعات الاعتراض إلى ثلاث فئات: فئة اليسار المكون من مجموعات سبق لها أن عبّرت عن حالها في الحراك المدني وهي تضم مجموعات حديثة ومن قدامى اليساريين، فئة الموجات الشعبية التي انجرفت بعفوية مع الفيضان الشعبي، وفئة تتحرك وفق أجندات سياسية. ويقولون إنّ الفئة الأخيرة هي التي تبعث القلق في أذهان قيادة “حزب الله” وتدفعه إلى العدّ إلى العشرة قبل الاقدام على أي خطوة.

 

لا يزال “حزب الله” يتصرف وفق المنطق التشكيكي خشية من أن تكون رزمة مطالب “المنتفضين”، متدحرجة، بمعنى عدم اكتفاء الشارع بعتبة التغيير الحكومي، سواء كان على شكل تعديل موضعي يطاول أبرز الوجوه أو تغيير كامل يعيد الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لتكون الخطوة التالية المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، أو إدراج سلاح “الحزب” على جدول أعمال الحراك.

 

حتى الآن، لا يطمئن بال قيادة “الحزب” بأنّ أجندة الحراك السياسي لن تطاول عتبة سلاحه، ولذا تحاذر القيام بأي خطوة نحو الأمام، ولو أنّها تعلم جيداً أنّ الزلزال الشعبي لن يهدأ بسهولة، مع العلم أنّ حوارات موضعية نشطت على أكثر من مستوى مع قيادات من هذا الحراك تهدف إلى التفاهم على سلّة المطالب.

 

ويشير المطلعون إلى أنّ الحؤول دون تطعيم الحكومة ببعض الوجوه التي قد تبعث بالطمأنينة للرأي العام، لا يكمن في الخلافات بين القوى السياسية أبداً، مؤكدين أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون متجاوب مع طرح التعديل الحكومي، وهو أبلغ من يعنيهم الأمر أنه مستعد للمضي في التغيير الحكومي حتى لو طاول رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، إذا كان ذلك ثمناً لعودة الاستقرار السياسي إلى البلاد ويهدّئ من غضب الشارع.

 

على هذا الأساس، يرى هؤلاء أنّ خريطة المعالجات لا تزال حتى اللحظة ضبابية وغير منتجة، وهي لا تتضمن بنداً جدياً، فيما تراهن السلطة على تعب الشارع وعودة بعض مكوناته إلى يومياتها إذا ما فتحت الطرقات. ولهذا كان الضغط جدياً على المؤسسة العسكرية للعمل على رفع العوائق البشرية والحديدية من الطرقات الرئيسية لدفع الناس للعودة إلى منازلهم.