صار من شبه المؤكد أن يسمّى الرئيس سعد الحريري رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة الاثنين المقبل، وبصرف النظر عن العدد الذي سيحصل عليه، ستكون بداية الطريق الى تشكيل الحكومة، اذا لم يطرأ أي تعقيد مفاجئ. وما قاله الامين العام لـ»حزب الله» انّ التكليف يختلف عن التأليف صحيح، لكن من المتوقع ان لا يكون التأليف بلا نهاية زمنية، لأنّ الظروف التي أملت التكليف واستنفاد الوقت لا تسمح لجميع القوى السياسية بأن تتلاعب بالوقت، في ظل الأزمة الاقتصادية.
ولعل المؤشر الأول على مباشرة البحث العملي لتشكيل الحكومة حتى قبل تكليف الحريري، هو ابتعاد الوزير جبران باسيل، الذي التقى كلّاً من «حزب الله» والرئيس نبيه بري، ليعلن بعدها أنه لن يكون عائقاً أمام تشكيل الحكومة، هذا المؤشّر كان ترجمة لوجود قرار لدى «حزب الله» بالتضحية بكل ما يمكن أن يُفشل تشكيل الحكومة، وأن يحوّل الانهيار الاقتصادي الى كرة نار ملتهبة تحرق الجميع، فكان باسيل «كبش محرقة» الحكومة والتسوية.
وفي قراءة للمشهد الجديد، لاحظت أوساط سياسية مطّلعة أنّ أداء «حزب الله» تغيّر فجأة، فانتقل من المناخ التصعيدي الى المناخ المطالب بتشكيل الحكومة بأي ثمن، علماً أنّ الحزب هو من أصَرّ على تكليف الحريري منذ البداية، وهو من أفشل عملياً سعي الرئيس ميشال عون للإتيان برئيس حكومة جديد، وتكرّر الأمر في الترشيحات الاربعة التي تم حرقها، والتي لم تحظ بموافقة الحزب ليعود بعدها الى الاعلان بالفم الملآن، أنه يريد الحريري حصراً رئيساً للحكومة المقبلة.
وتشير الأوساط الى انّ «حزب الله»، وفي سياق الرسائل التي وصلت اليه من الداخل ومن الخارج، فَرملَ حملته على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التي شنّت بالمباشر وبالواسطة، حيث لوحظ في الفترة الاخيرة أنّ سلامة بات بمنأى عن استهداف الحزب، الذي وصل الى خلاصة مفادها أنّ الاستمرار باستهداف سلامة، يعني تعجيل مرحلة السقوط والانهيار الذي سيصيب الحزب، كما القوى السياسية الأخرى.
وتضيف الأوساط أنّ «حزب الله» فرملَ أيضاً حملة بعض حلفائه على المؤسسة العسكرية، للأسباب نفسها، فبعد أن وصل الأمر الى أن يقوم النائب علي عمار بانتقاد الجيش، اختفت من أدبيات الحزب تعابير النقد واللوم. كذلك تشير الاوساط الى انّ «الحزب» طلب من حلفائه وقف أي اشارة سلبية تجاه المؤسسة العسكرية، لأنّ أي ضغط إضافي قد يَرتدّ سلباً على الجيش ودوره في حفظ الاستقرار.
وبعيداً عن استعدادات التفاوض حول تركيبة الحكومة المقبلة، التي بدأت منذ الآن، تتوقع الأوساط مفاوضات لن تطول كثيراً، لانعدام القدرة على تَحمّل أشهر إضافية لتشكيل الحكومة، وهذا ما يعرفه جميع الأطراف، وهذا ما يطالب به المجتمع الدولي، الذي ينتظر ولادة حكومة التكنوقراط المطعّمة بحضور سياسي «لايت» للبدء بتنفيذ خطة إنقاذ اقتصادي لا تحتمل التسويف والمماطلة.
وتتوقع الاوساط فترة أسبوعين حاسمة وكافية لمعرفة الاتجاه من التسهيل أو التصعيب، وفي الحالة الاولى، سيكون الحريري أمام مشاورات سريعة، لاختيار الاسماء وللتفاهم مع القوى السياسية لتمثيلها بما يتناسب مع حكومة يرسم هو شكلها وطبيعتها، مع ترك الهامش واسعاً للتفاهم من خلال الطلب الى هذه القوى تقديم أسماء عدة لكل ترشيح وزاري على أن يختار هو من يريد لملء الموقع، لا أن يخضع لفرض اسم واحد لكل وزارة، او ان يخضع لفرض أسماء حزبية، تكرّر التجربة الفاشلة في التعاون مع الوزير باسيل، وتكرّر بالتالي النتيجة نفسها التي أدّت الى فشل الحكومة السابقة واستقالتها، فما كان يصحّ قبل 17 تشرين الاول لم يعد قائماً ولا مقبولاً.