إتفاق بين الطرفين على استمرار الحوار والتواصل المباشرين
على خلاف الروايات التي تنسج حول مصلحة ما، تكمن في حسابات “حزب الله” الباطنية، في حصول الانهيار الاقتصادي – المالي بغية وضع يده على القرار السياسي في البلد، تتصرف قيادة “الحزب” بكثير من الخفر والخشية مما تحمله الأيام المقبلة على هذا الصعيد.
يرصد “حزب الله” حلفاءه ويتراشق خصومه التهم ويتقاذفون كرة مسؤولية التعطيل وعرقلة المسار الاصلاحي ويحاذرون الغوص في عمق “المحميات المالية” التي تقضم من لحم الخزينة العامة الحيّ. ولذا تحاول قيادته منذ فترة قصيرة، تنبيه مَن حولها أنّه لا ترف للمالية العامة لاستنزاف الوقت في سجالات عقيمة شعبوية لن تقدّم أو تؤخر إذا غرق المركب بمن فيه، وأنّ “وقت اللعب” انتهى، ولا بدّ من الدخول في الجدّ.
على هذا الأساس، كان اللقاءان اللذان جمعا الأمين العام السيد حسن نصرالله برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ومن ثم برئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية. وها هو اللقاء المباشر الأول من نوعه، منذ اندلاع أزمة “معمل الباطون” بين “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
لا صوت يعلو على صوت إنقاذ لا يزال بعيد المنال. الأولوية للملف الاقتصادي وما يمكن له أن يؤثر على الاستقرار العام بعدما قارب العجز خطوطاً محرّمة من شأنها أن تطيح الانتظام السياسي كله. ولذا يشكل مشروع موازنة العام 2020 مقروناً بسلّة إصلاحات جدية مرجوة، التحديّ الأبرز أمام مكونات السلطة، على اختلاف توجهاتها السياسية.
بهذا المعنى يجاهر الاشتراكيون أنّ لقاءهم مع وفد “حزب الله” في دارة الوزير السابق غازي العريضي، كان جيداً، كونه يساهم في تبريد خطوط التواصل المباشر بين الفريقين بعد مرحلة من التوتر والاشتباك “غير المباشر”، والتي استدعت تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري لتخفيف الاحتقان وإقناع الطرفين بالجلوس إلى طاولة الحوار الثنائي.
عملياً، تجاوز “حزب الله” والاشتراكيون مرحلة “الواسطة” التي كان يرعاها رئيس المجلس، وصار بإمكانهما الجلوس وجهاً لوجه من دون الحاجة إلى “إطفائية” الرئيس بري، بعد التفاهم على التركيز على كل ما هو مشترك والقفز فوق ما هو مختلف عليه.
على هذا الأساس، لم يتحجج “حزب الله” ولا حتى الاشتراكيون بلغم مجاهرة وزير الخارجية بنيّته التوجه إلى سوريا، لتأجيل اللقاء المتفق عليه في وقت سابق. تجاوزا المسألة، مع أنّ وزير الصناعة وائل أبو فاعور استثمر المسيرة الاحتجاجية التي نظّمها “الحزب التقدمي” دفاعاً عن الحريات، على أثر توقيف مناصرين للحزب بسبب منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لفتح النار ضدّ العهد وفريقه السياسي على خلفية ملف الحوار مع سوريا.
تقصّد أبو فاعور حصر هجومه بوزير الخارجية متوجهاً إليه بالقول “تذهبون لتتوسلوا الرئاسة لأنه قيل لكم إن طريق الرئاسة يمر من دمشق وآن الأوان لأن يقول لكم الشعب ارحلوا”، وتجاهل أنّ “حزب الله” هو في طليعة الداعين إلى فتح باب الحوار مع دمشق لمعالجة القضايا الخلافية وأنّ عدم اصراره على عدم اقحام الملف السوري في المشهد اللبناني، لا يهدف إلّا للتخفيف من وزن الملفات الخلافية الزائدة التي تثقل منكبي الحكومة. ولكن بالنتيجة، هو من أكثر المتحمسين لإزالة العوائق عن طريق بيروت – دمشق.
ومع ذلك، بدا الاشتراكيون غير معنيين بموقف “حزب الله” خلال جلستهما المشتركة، ونأيا بالاجتماع عن خطوط التوتر، وحصرا اهتمامهما بما هو قابل للمعالجة، مع استعراض عام للشؤون السياسية. هكذا اتفقا على إعادة تفعيل خطوط الاتصال والتواصل على كل المستويات، النيابية، الوزارية، وحتى الميدانية. وهذا ما يفسّر مشاركة المسؤولين المناطقيين، إلى جانب الكوادر النيابية والوزارية، من باب إعادة تعزيز التعاون الثنائي.
هكذا، جرى التفاهم على النقاش المباشر بين الفريقين، لا سيما في ما يتصل بالمعالجة الاقتصادية بعدما وضع كل طرف الخطوط العريضة لمقاربته، حيث يصار الى الاتفاق على ما هو مشترك بينهما، وتجاوز ما هو موضع اختلاف. وهو الحال التي كانت عليه العلاقة قبل دخولها مربّع “السخونة”.
وحضر الإجتماع عن “حزب الله”: المعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل، الوزير محمد فنيش، والنواب علي عمار، حسين الحاج حسن والسيد حسن فضل الله، ومسؤول الجبل الحاج بلال داغر.
وعن “التقدمي” كل من: الوزيرين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور، والنائبين هادي ابو الحسن، وبلال عبد الله، أمين السر العام ظافر ناصر، عضو مجلس القيادة د. ياسر ملاعب، مفوض الداخلية هشام ناصر الدين، مستشار رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط حسام حرب، وكلاء داخلية الغرب وعاليه والشويفات: بلال جابر، يوسف دعيبس، مروان أبي فرج، معتمد الغرب نجا ملاعب، نائب رئيس بلدية بيصور رياض ملاعب، مدير فرع بيصور باسل ملاعب، ونزار العريضي.
تخلّل اللقاء وفق البيان المشترك “نقاش مستفيض حول الأوضاع السياسية العامة والأزمة الاقتصادية الاجتماعية المالية الخطيرة التي يعيشها لبنان، وضرورة الوصول الى تفاهمات للحد من تداعياتها ورسم خطة للخروج منها، وكان اتفاق على استمرار الحوار والتواصل المباشرين لتثبيت الاستقرار والتعاون في مجالات العمل النقابي والحكومي والنيابي”.