مهما آلت إليه الأمور، لا بد من الاستنتاج أن “حزب الله” أجاد استثمار قضية الطائرتين الاسرائيليتين المسيرتين ليربح حرباً لم تقع.
والربح ليس بمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة بالتأكيد. فالمعطيات الإقليمية والدولية تدور في فلك آخر. يتحكم بها مستوى التنقيب عن مسار التفاوض بين إيران والرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي نسف الاتفاق النووي ليعيد صياغته بما يناسبه. والتطورات الأخيرة تؤشر الى أن ضوءاً يلوح في سراديب التعقيدات الدولية بعد سريان مفعول العقوبات الأميركية على إيران.
الربح يجنيه الحزب من الداخل اللبناني. فيحصد ما زرع منذ العام 2005، لجهة ضرب الدولة، مؤسسات وإدارة ومرجعية للسيادة وقرار السلم والحرب، ان باستخدام فائق القوة أو بالتعطيل وشل الممارسة الديموقراطية في مجلس النواب، أينما تتطلب مصلحته ذلك، وصولاً الى فرض التسوية الرئاسية وقانون الانتخاب على قياس هذه المصلحة بعد ترويض المعارضين.
وهكذا جاء سلساً تعامل “الحزب” مع سقوط الطائرتين، وضع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله خطة عمل الدولة التي يتحكم بها. أعطى التعليمات الواضحة بعد تحديد أوضح لتصنيف العملية على أنها “عمل عدواني وخرق لقواعد الاشتباك”. وقال: “إذا أحد في لبنان حريص على عدم حصول مشكل ليتحدث مع الأمريكان كي يطلبوا من الاسرائيليين أن ينضبّوا”.
بالطبع، لا يهتم نصرالله بالتناقض الظاهر بين “العدواني” الذي يفترض رداً قمعياً يترجم التهديدات السابقة بالصواريخ التي لن توفر دسكرة او زقاقاً لتدك أمان الكيان الصهيوني، من جهة، وبين “ينضبّوا” التي تفتح الباب للديبلوماسية المرفقة، وايضاً كما أورد نصر الله، بشكوى تقدمها الدولة اللبنانية الى مجلس الامن، من جهة ثانية، لأن أولويات رأس المحور الممانع تقتضي ملحاً وبهاراً على التهديدات بالرد الصاعق، وثلجاً على الجبهات كي لا تشتعل وتحرق الجهود للوصول الى لحظة التفاوض.
ما يهم المحور الممانع هو اعلان رئيس الجمهورية أن ما حصل هو إعلان حرب يستوجب الدفاع عن النفس. والنفس هنا ليست الدولة اللبنانية، لكنها النفس “الحزب الهية”، التي أوكل اليها المجلس الأعلى للدفاع مهمة الرد بعملية نوعية، كون “الحزب” المستقل تماماً بسلاحه عن الدولة التي يستخدمها هو صاحب العلاقة.
بالتالي كيفما يأتي الرد بمقاييسه ونوعيته وتوقيته، سيبقى في حيثياته ربحاً صافياً لـ”الحزب” ورأس محوره. فهو يدفن أي كلام عن الاستراتيجية الدفاعية، ويكرِّس استسلام كل من في السلطة الى ازدواجية السلاح ومصادرة قرار الحرب والسلم. والأهم انه يبيع بيئته الحاضنة أمانها واقتصادها بالتعفف عن الحرب التي ستطيح الارواح والاملاك، لذا لم يفتح الجبهات كرمى لها، وسيكتفي مرغماً بتلقين العدو الإسرائيلي درساً نوعياً تأديبياً. وعلى هذه البيئة ان ترد له الجميل بمزيد من الولاء والانصياع.
جدياً… ضربة معلم!!