لن يطول موضوع «قاعدة همدانوف» على ما يبدو برغم المبالغة في الاستطرادات والقراءات الممانعة.. لأن دون ترسيخ الوجود الروسي في إيران، كما تبيّن، عوائق وعوارض وحسابات بعضها يتصل بالداخل الإيراني، وبعضها يتصل بالعلاقات البينية الأميركية الروسية، وهي المتوترة تارة، والهادئة طوراً.. أي حسب الموضوع المطروح والقضية المفتوحة!
ولا بأس من الافتراض، أن النزول الروسي في القاعدة الإيرانية، يدلّ على لحظة توتر روسية أميركية أكثر من كونه أي شيء آخر، ومع ذلك، لم تستطع طهران تحمّل وطأته. لكن ليس فقط، بسبب الإشكال الداخلي الخاص بشعارات «الثورة» وتراكمات التعبئة الجهادية، وأنما أيضاً لأن طهران، وبكل وضوح ممكن، ليست مستعدة لتوتير «العلاقات» الملتبسة مع الأميركيين! ولا لاتخاذ خطوة كبيرة، يُنظر إليها في واشنطن وعموم المحور الأطلسي، باعتبارها كسراً لتوازنات كبرى!
وتعرف طهران أن «ثورتها» التي أنهت الوجود العسكري والاستخباراتي الأميركي في إيران، وهو كان ما كان عليه، من وجود استراتيجي كبير وفي ذروة الحرب الباردة، وفي قوس دفاعي يصل إلى تركيا وباكستان.. تعرف أن شعار «لا شرقية ولا غربية» كان في الجزء العملي الدقيق منه، درع حماية مسبق لصدّ استنهاض غربي عام وفعلي ضدها، إذا ما اتخذت منحى جذرياً مختلفاً، باتجاه «الاتحاد السوفياتي».. الراحل!
والحسابات ذاتها، لا تزال حاضرة في الذهن السياسي عند صانع القرار الإيراني، خصوصاً وأن إدارة أوباما «حاربت» و»تحارب» على أكثر من جبهة، من أجل كسب خيار «التفاهم» مع الإيرانيين كبديل ناجح لخيار المواجهة والحرب!
وما يعزّز قراءة الحركة المشتركة الخاصة بقاعدة «همدانوف» وراهنيتها باعتبارها رمية متوترة موجهة ضد الأميركيين، وإن كانت عابرة وغير ثابتة، هو تيقن الطرفين، أي موسكو وطهران، من أن الأميركيين الذين فخّتوا ونفّسوا رهان تغيير وقائع الميدان السوري، قبل الانتخابات الرئاسية، لن يقدّموا بديلاً مريحاً عن إدارة أوباما! وأياً يكن الفائز بجائزة الدخول إلى البيت الأبيض!
وتلك معضلة تبدو جاهزة وحاضرة ناضرة في حسابات الروس والإيرانيين، قبل أشهر من موعدها: إذا فاز ترامب فسيكون كارثة بالنسبة إلى طهران التي يعتبرها أساس الشر في كل العالم! وإذا فازت كلينتون فإن مواقفها المعروفة سلفاً من إيران لا تتخطى التغاضي عن «الاتفاق النووي»، في مقابل ثباتها على مواجهة «طموحات» الإيرانيين الإقليمية، ثم الأهم من ذلك تمريرها عبر مساعديها وقادة حملتها، تأكيدات لا تسرّ الخاطر الإيراني على الإطلاق في شأن «مصير» الرئيس السوري السابق بشّار الأسد!
وبالنسبة إلى موسكو فإن الأمر لا يحتمل المزاح: تبدو في الظاهر وكأنها تتسلى بخبريات ترامب، وتمرر أقوالاً من فلاديمير بوتين تدلّ على «إعجاب» بالمرشح الجمهوري الجامح، لكنها، في لحظات الجدّ، تحمل هماً كبيراً وفعلياً (ومنطقياً) إزاء وصوله إلى سدّة رئاسة أخطر دولة على وجه الأرض.. تبعاً لملاحظتها الفارق الحقيقي بين المواقف المعلنة في الحملات الانتخابية وتلك التي يتخذها «الرئيس» عندما يجلس في البيت الأبيض!
.. وإذا فازت كلينتون، فإن الصورة الصدامية لن تتأخر في التبلور، خصوصاً في شأن سوريا! أو في شأن مجمل القضايا المتصلة بالسياسة الخارجية.
قاعدة «همدانوف» جزء عابر من كل محكوم بالتوتر، وتحديداً في شأن سوريا ونكبتها ومآلاتها. لكنها في كل الحالات، تبقى واحدة من مسببات نكبة الشعب السوري، واستسهال الفتك به من قبل سياسات يخجل إزاءها كل إرهاب ممكن في هذا العالم.