Site icon IMLebanon

هوكشتاين يطرح خطّاً يتخطّى «هوف» بقليل.. ومُراوحة بعد 15 سنة من المفاوضات

 

إتفاقيّة الترسيم مع قبرص عام 2007 غير مُعترف بها دولياً.. و«الإسرائيلي» يُصرّ على الخط 1 !!

 

ماذا يعني قول السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا القبول بالخط أو رفضه أو تعديله. تعديل ماذا؟ الخطّ المتعرّج؟ هل نجعله أكثر تعرّجاً أم أقلّ تعرّجاً؟ مستوياً أم قاعداً؟ ولماذا هذه «المكرمة» الأميركية في إعطاء لبنان حقّ التعديل في الخط المودع لدى الأمم المتحدة؟ ولماذا اعترضت على تعديل المرسوم 6433 وأوقفته؟ ولماذا تضع مسألة الترسيم اليوم، في الوقت نفسه تحت سيف إنهاء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين لوساطته بحسب تصريحات سابقة له خلال شهر آذار الحالي للتفرّغ لملف أوكرانيا أو أي ملف آخر؟ ولماذا «وقف» عملية استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن عبر سوريا الى لبنان التي تحسّن ساعات التغذية من الكهرباء قبل الحصول على الردّ اللبناني لعرض هوكشتاين الأخير؟!

 

أوساط ديبلوماسية متابعة لملف الترسيم البحري والبرّي تحدّثت عن العرض الأميركي- «الإسرائيلي» الذي لا يزال يتمسّك بما جرى طرحه منذ سنوات عدّة ولم يُوافق عليه لبنان. فالخريطة الأولى مع القبارصة في العام 2007، كانت عبارة عن إحداثيات تقدّم بها القبارصة أنفسهم، ووافق عليها الجانب اللبناني، وأرسل وفداً من وزارة النقل آنذاك للتوقيع عليها في قبرص. والنقطة 1 التي تظهر في الخرائط، والتي على أساسها رسم «الإسرائيليون» الخط 1، استند إلى هذه الإحداثيات، وهي التي لا زالوا يطالبون بها حتى الآن رفضاً للخط 29 الذي طالب بها الوفد العسكري اللبناني على طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة.

 

أمّا ما يطرحه هوكشتاين اليوم، فهو ينطلق للوصول الى نقطة وسط بين ما يُسمّى بـ «خط هوف» والخط 23، أي الخط 13 +، الذي يتخطّى «خط هوف» بقليل. ما يعني أنّه يأخذ المطلب «الإسرائيلي» الأساسي الذي انتهز غفلة الجانب اللبناني وقلة درايته بالأمور في العام 2007، ونقل مطالبه في المنطقة الإقتصادية الخالصة المخصّصة له بموجب قوانين البحار الدولية، إلى النقطة 1 التي اتفق لبنان عليها مع قبرص. ويسمح قانون البحار، على ما أوضحت الاوساط، أن تقوم الدول بتعديل هذه الإحداثيات في حال طرأت مستجدات تقنية أو فنيّة، وهذا ما حاول لبنان القيام به على طاولة المفاوضات في الناقورة، غير أنّه لم يُتوّج بتعديل المرسوم 6433 ليبدأ التفاوض غير المباشر على الخط 29 وما دون. إلّا أن العدو الإسرائيلي لا يتزحزح، وهو يصرّ على أن يتفاوض مع لبنان بواسطة الولايات المتحدة إنطلاقا من النقطة 1، وهذا يعني بأنّه غير قابل حتى بالنقطة 23 التي يريد لبنان تبنّيها حاليّاً.

 

وقالت الأوساط نفسها: بما أنّ الإتفاقية مع قبرص لم يجرِ إبرامها من مجلس النواب، وتمّ تجاوزها بعد أن قام لبنان بإيداع الأمم المتحدة المرسوم رقم 6433، والذي تبنّى آنذاك الإحداثيات للخط 23، لهذا لا يمكن إعتبار أنّ إتفاقية 2007 سارية المفعول أو معترف بها دولياً. إلّا أنّ العدو يُصرّ على أن يُفاوض على أساس هذا الخط والذي اصطلح على تسميته بالرقم 1. ولسكب المزيد من «الملح على الجِرح»، تقدم «الإسرائيلي» بخط جديد في الجلسة الأخيرة في الناقورة من العام الفائت ردّاً على مطالبة الوفد اللبناني بالخط 29، وهو الخط الذي اصطلح على تسميته بالخط 310°. وهذا الأخير يقع إلى شمال النقطة 1، وهو خط وهمي وأهدافه «توسّعية» من دون أي وجه حقّ، ما يعني أنّ «الإسرائيلي» يقوم بمزيد من القضم في المنطقة الخالصة التي أخطأ لبنان في تحديدها بدقّة في العام 2007 والتي هي من حقّه بموجب القانون الدولي للبحار.

 

وأوضحت الأوساط نفسها، بأنّه صحيح أنّ إشكالية الترسيم البحري قد بدأت منذ أن أرسلت وزارة النقل وفداً لتوقيع خريطة الإحداثيات التي أرسلها القبارصة في الأصل إلى لبنان في العام 2007، أي أنّه قد مضى 15 سنة من المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي في الناقورة، أو بالوساطة مع الموفدين الأميركيين من السفراء السابقين الذين كانوا يقومون بجولات مكوكية، وصولاً الى جولات هوكشتاين الأخيرة، أو على صعيد البيانات أو التصريحات أو الإعلانات التي يطلقها المسؤولون اللبنانيون حول هذا الموضوع.

 

ولكن على رغم مرور 15 سنة، على ما أضافت الاوساط، يمكن القول بأنّنا لا زلنا في مرحلة المراوحة، بينما نشهد كيف أنّ العدو الإسرائيلي قد باشر بالتنقيب والحفر والإستثمار ليس فقط في المناطق المخصّصة له، بل هو، وبكلّ أريحية، وبمساندة من الولايات المتحدة الأميركية، يقوم باستغلال ضعف موقف لبنان الرسمي ليقوم منذ أن قدّم القبارصة إحداثياتهم في العام 2007 بـ «غزوة بحرية» تطال مناطق بحرية شاسعة هي من حقّ لبنان بموجب القانون الدولي للبحار.

 

وتقول الأوساط الديبلوماسية، بأنّه إذا كنا نعاود قراءة ما حدث منذ العام 2007، فلأنّنا نحاول استشراف الحلول للخروج من المأزق الكبير الواقع فيه لبنان حالياً، والذي يمكن أن نلوم الدول الكبرى عليه. ولكن لا مناص أيضاً من تحميل المسؤولين اللبنانيين المسؤولية الأولى على هذا التقصير الفادح والاستهتار الممنهج في مقاربة هذا الملف الاستراتيجي الحيوي الذي سيؤثر على الأجيال اللبنانية القادمة. فإذا راجعنا كيفية إكتشاف دائرة الإستشارات القانونية في وزارة الخارجية والمغتربين ومديرية الشؤون الجغرافية في الجيش خطأ الحكومة اللبنانية الذي ارتكبته في العام 2007، نظرا لأنّ وزارة النقل قد أهملت الإجراءات الروتينية والتي تقتضي منها أخذ مشورة وزارتي الخارجية والدفاع، وإنطلقت بشكل آحادي لتقرّر وحدها مع رئيس الحكومة آنذاك، أن تبتّ في هذا الموضوع الدقيق كيفما كان، نجد أنّه جاءتنا تنبيهات خارجية، فجُمّد الموضوع. ولعلّ الإنقسام الحاد الذي كان يسود البلاد، وهو لا يزال سائداً حتى يومنا هذا، مع الأسف، هو الذي يدفع اليوم كلّ مكوّن لبناني في البلد للتصرّف كما يحلو له.

 

ونوّهت الاوساط الى أنّ اللبنانيين اكتشفوا خطأ إحداثيات قبرص 2007 بالصدفة، بعد أن قام بعض الديبلوماسيين والخبراء الأجانب الغيارى بتنبيه مسؤولين لبنانيين في الخارج إلى الخطأ الذي ارتكبوه في قبرص. والمضحك المبكي هو أنّ الأتراك، الذين لا تربطهم المودة مع القبارصة بسبب مشكلة شمال قبرص، هم الذين نبّهوا اللبنانيين. والأتراك لهم باع طويل في مسألة الترسيم البحري نظراً للتداخل الكبير بين الجزر اليونانية والتركية في بحر إيجة. وقامت وزارات الخارجية، والدفاع، والعدل بالدخول على الخط، وتمكّنت خلال الاجتماعات التي انعقدت في جلسات اللجان المعنية في مجلس النواب من الإطاحة بإحداثيات قبرص واعتماد خط جديد هو الخط 23. إلّا أنّ هذا الخط وكيفية رسمه أثار الكثير من الشبهات والتساؤلات. وقد قام رئيس مجلس النواب نبيه بري بأخذ الملف بين يديه بعد أن رأى التقصير الحكومي في مقاربة هذا الملف الاستراتيجي.. علماً بأنّ مدّ أنابيب النفط الضخمة والغاز من روسيا والخليج إلى أوروبا كانت أيضاً ضمن المشاريع الجيوسياسية العملاقة التي كان يتمّ البحث فيها في كواليس الدول الكبرى والتي كان يُشكّل لبنان ممرّاً صغيراً ولكن حيويّاً لها.