كل الناس في لبنان “واقفة” على رصيف انتظار فوضى الازمات والفذلكات الدستورية والقضائية، فيما انظار آخرين في مكان بعيد، لم تحسمه زيارة الساعتين للوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، الذي لم يحمل في جعبته طرحا اسرائيليا مكتوبا، ولا اجابات لبنانية يطير بها الى تل ابيب المنتظرة بدورها .
فما الذي تبدل شكلا ومضمونا بين هذه المرة والمرة التي سبقتها؟
بشكل عام، وصفت مصادر مواكبة للاتصالات الاميركية، ان الامور ما زالت سائرة في السياق السابق نفسه، وان مجموعة من العقد قد تم حلها، بحيث بات النقاش محصورا بآلية تحفظ الحقوق اللبنانية ضمن حدي الخط 23 وحقل قان، كاشفة عن سلسلة من الاقتراحات في هذا الخصوص، حيث لحظ المشاركون في الاجتماعات اللبنانية ان الوسيط الاميركي يملك مجموعة من الحلول التي يمكن القبول بها، خصوصا انه المح امام بعض مساعديه عن وضعه تصورا كاملا مستوحى من المطالب اللبنانية والاسرائيلية .
غير ان ثمة بعض المفارقات التي ميزت زيارته هذه المرة وحملت في طياتها الكثير من الدلالات، ابرزها:
-لقائه الرؤساء فرادى، بعدما رفضوا تشكيل وفد موحد للقاء في الدوحة ، ما اوحى بان ثمة عودة الى الانقسام فيما بينهم ، خصوصا ان مقاربة “ابو مصطفى” اختلفت بعض الشيء عما سمعه هوكشتاين في بعبدا والسراي، اذ اصرت الرئاسة الثانية على العودة الى اتفاق الاطار واعادة الروح الى مباحثات الناقورة، حيث تؤكد المصادر ان الجانب الاميركي لا يمانع العودة الى الناقورة، الا انه يفضل التريث راهنا الى حين احراز الجولات المكوكية هدفها.
– موقف شركة “اينرجين” الذي صدر قبل ساعات من وصوله وتحدث عن استعداد الشركة ببدء استخراج الغاز من كاريش في غضون اسابيع، بعدما سرت معلومات عن تراجع الشركة وتوقيفها العمل. فهل جاء هذا التصريح من باب الضغط على الجانب اللبناني ام الاميركي؟
– تشكيلة الوفد الذي رافق وحضر لقاءات الوسيط الثلاث والتي لاول مرة ضمت نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، مدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير، علما ان هوكشتاين انتقل في موكب منفصل برفقة عدد من العاملين في السفارة الاميركية، وسط تسجيل غياب السفيرة الاميركية الموجودة في واشنطن منذ ايام، حيث ربطت بعض المصادر بين غيابها والمحادثات الهاتفية التي اجرتها بالرؤوساء الثلاث وفشلها في تحقيق ما طلب منها.
– اصرار الوسيط الاميركي على عدم اطلاق اي موقف رسمي الا من مطار رفيق الحريري الدولي، كخلاصة لما سمعه من الرؤوساء الثلاث، مكتفيا ببعض الكلمات من بعبدا، صبغها بالطابع الايجابي والممتاز،مقابل التزامه الصمت في عين التينة.
– الايجابية المفرطة التي تحدث بها هوكشتاين، وسط غياب تام لاي تعليق رسمي لبناني وحتى صدور بيان مشترك عن اي من المقرات التي زارها، حيث تحدث عن احرازه تقدما وان الامور ايجابية وما من اجواء سلبية حتى الان، فالاتفاق سيكون لمصلحة لبنان الاقتصادية.
وتتابع المصادر بان اسئلة هوكشتاين تحتاج الى الدرس والى اجراء سلسلة من الاتصالات في شانها، خصوصا مع حارة حريك، وان الدولة اللبنانية غير جاهزة لتقديم اجابات فورية، لذلك طلبت استمهالها بعض الوقت الى حين الوصول الى نتيجة على ان يتم ابلاغها الى الوسيط عبر قنوات الاتصال المعتمدة في العادة .
رمى هوكشتاين “الطابة” في الملعب اللبناني، الذي تلقفه “بطيب خاطر” نتيجة عودة الاختلاف في وجهات النظر بين المعنيين، رغم انه بدا واثقا وفقا لما اطلقه من وثائق بانه سيحمل معه قريبا الخبر اليقين، وفقا للتوقيت الذي وضعه البيت الابيض.
باختصار يمكن تلخيص المشهد من مطار رفيق الحريري الدولي، كما من محطة الزيارة الاولى، بان “الامور ماشية تمام” و”التران عالسكة”.