Site icon IMLebanon

مسوّدة هوكشتاين

 

واضحة كانت تصريحات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، خلال زيارته بيروت مطلع الأسبوع الحالي. ولا تحتاج إلى تأويل. قال بالإنكليزية الفصيحة إن «أي هدنة في غزة لن تمتد بالضرورة تلقائياً للبنان»، وبتحديد أدق أضاف «أنّ وقفاً موقتاً لإطلاق النار غير كافٍ، وكذلك الحرب المحدودة لا يمكن احتواؤها». وكأنه نبّه المسؤولين اللبنانيين إلى ضرورة أن يعوا ويستوعبوا عبثية الربط بين غزة ولبنان كما قرر المحور الممانع، لأن العدو الإسرائيلي غير ملتزم القرار، وتحديداً إذا ما اعتبر هذا العدو أنّ الهدنة فرصة لتوجيه جهود آلته العسكرية وتركيزها على جنوب لبنان بغية تحقيق هدفه بإبعاد «حزب الله» إلى شمال الليطاني، ليس لأنّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يسعى إلى انتصار يحتاجه، ولكن لأنّ المخطط يقضي بالقضاء على حركة «حماس» كقوة عسكرية في غزة، وبإبعاد «حزب الله» إلى شمال الليطاني، وهو ما يجري العمل عليه، بحرب مفتوحة أو محدودة.

 

من هنا، جاء هوكشتاين ليضع معادلة وحيدة، إمّا الحرب غير المحدودة أو القبول بمسودة يمكن أن تتحول إلى تسوية قابلة للحياة عبر الحل الدبلوماسي. ويبدو أنّ الحزب يعرف جيداً ما ينتظره، لذا وعلى الرغم من تمسكه برفض أي طرح يحمله الموفد الأميركي أو غيره، قبل انتهاء حرب غزة، إلا أنّ عدم استبعاده فكرة التسوية، بالتزامن مع نجاح مفاوضات الهدنة، يعني أنّ مسودة هوكشتاين موضوعة على الطاولة، وربما بدأت دراسة ما ورد فيها، بحيث يتم التفاوض بشأنها وفق المطلوب أميركياً، مع حرص على حفظ ماء الوجه بعبارات تعكس عدم تنازله وإن بالشكل، ليبقى المضمون تنفيذ القرار 1701 بما يرضي المجتمع الدولي الممول لقوات حفظ السلام (اليونيفيل) ومن خلفها إسرائيل.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ ما يسعى إليه هوكشتاين هو سابق لعملية «طوفان الأقصى» وحرب «المشاغلة» التي استتبعتها من ضمن معادلة «وحدة الساحات» التي أرسى قواعدها رأس المحور الإيراني. فهذا المسعى ارتبط باتفاق ترسيم الحدود البحرية، إذ استتبع هذا الاتفاق بطرح لإنهاء ملف إشكالات الحدود البرية.

 

وإذا سلّمنا جدلاً بأن قرار «حزب الله» فتح الجبهة الجنوبية من دون توسيعها هو تنفيذ لإدارة إيران، وأيضاً إذا سلمنا جدلاً بأنّ حركة «حماس» تُرِكت وحيدة بمواجهة حرب الإبادة التي استتبعت «الطوفان» وأدت إلى تدمير قطاع غزة بالكامل وتهجير أهله، ربما يمكن الاستنتاج بأنّ السيناريو الذي قد يكون قد وُضِع للمنطقة، يقضي بأن تسفر هذه الحرب عن ترتيبات ترمي إلى عقد صفقة مع رأس المحور الإيراني، تعطيه ما يريحه ويخفف من أزماته على حساب أذرعه مع إنجاز التسويات التي تناسب المشاريع الاقتصادية المطلة برأسها من الهند إلى حيفا.

 

لكن تحقيق مثل هذه الصفقة يتطلب الكثير من التضحيات التي ستدفع ثمنها هذه الأذرع، وإن تباينت الأثمان، وفي حين يبدو واضحاً أنّ «حماس» هي المنكوبة الكبرى، يبقى أنّ وضع «حزب الله» أحسن، فهو يستطيع تحصيل مصالحه في الساحة اللبنانية، ليضمن استمرار نفوذه، وذلك من خلال المقايضة بإنهاء «حرب المشاغلة» مقابل امتيازات تتعلق بالاستحقاقات الداخلية، وتستثمر فيها إيران من دون أن تفسد صفقتها الكبرى المتعلقة ليس فقط بمفاوضات ملفها النووي مع الولايات المتحدة، ولكن بمد جسور التعاون مع الدول الخليجية بما يعود عليها بفوائد لا يستهان بها.

 

بالتالي، يمكن الاستنتاج أنّ مسودة هوكشتاين اللبنانية هي جزء لا يتجزأ من مشروع ترتيبات المنطقة، الذي إذا كان التوافق عليه قد تم، تصبح التفاصيل لتنفيذه سيناريوات شكلية وصولاً إلى تحقيق المرتجى من هذه المسودة.