IMLebanon

إسرائيل تتجنّب سيناريو 2006

 

 

في الساعات الأخيرة، يتردّد السؤال بقلق في بعض الأروقة: ماذا سيفعل الأميركيون في لبنان بعد الفشل الذي أصاب عاموس هوكشتاين في مهمّته اللبنانية الأخيرة؟ واستطراداً، هل يمكن أن يخسر لبنان تغطيته الدولية ويتعرّض لصدمة يعدّ لها بنيامين نتنياهو ورفاقه؟

ثمة من يتوقع أن تكون انعكاسات عدة لفشل الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل، مرحلياً على الأقل، وأبرزها الآتي:

 

1- سيطلب الأميركيون مجدداً من الفرنسيين والقطريين أن يتحرّكوا مجدداً على الخط اللبناني، لعلّ ذلك يقود إلى تغيير معيّن في موقف «حزب الله»، أو على الأقل يملأ الفراغ السياسي بمزيد من الاتصالات والوساطات بين لبنان وإسرائيل، فلا تفرغ الساحة للمدافع، فيقع ما لا يريده أحد.

وثمة من يتوقع عودة الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت قريباً، علماً أنّه نفسه يدرك محدودية الهامش المتاح له في هذه المهمّة.

 

2- سيتذرّع بنيامين نتنياهو ورفاقه بفشل وساطة هوكشتاين الأخيرة ليحمّلوا الحكومة اللبنانية بكاملها المسؤولية عن تعطيل الوساطة، وليس «حزب الله» وحده. وسيقولون للمفاوض الأميركي: نحن قدّمنا التنازلات لتسهيل التسوية، فلم نشترط على «الحزب» أن يتراجع إلى ما وراء الليطاني، بل اكتفينا ببضعة كيلومترات فقط، من أجل ضمان أمن السكان في الشمال وإعادتهم إلى منازلهم، لكن «الحزب» يزيد من شروطه في كل مرّة ويربط أمن الحدود اللبنانية بالحرب في غزة.

 

في الواقع، لم يفشل الأميركيون في لبنان فحسب، بل في مجمل حراكهم الشرق أوسطي الأخير. فوزير خارجيتهم أنتوني بلينكن تعب كثيراً لإقناع نتنياهو بالتسوية السلمية في غزة، وعاد إلى واشنطن صفر اليدين. وأما الرئيس جو بايدن فأقفل الخط في وجه نتنياهو في المكالمة الأخيرة، فيما الطاقم العسكري الأميركي الذي جاء ناصحاً الإسرائيليين بالخيارات الأفضل في غزة، غادر خائباً.

 

ولكن، في المقابل، وعلى رغم هذا الفشل، فإنّ الولايات المتحدة هي اليوم في قلب نيران الشرق الأوسط، سياسياً وعسكرياً، فيما تستغل حكومة نتنياهو هذا الظرف لتتصرّف كصاحبة مبادرة. وقد قرّرت في جلستها الأخيرة على استمرار الحرب وخصّصت لها مبلغاً إضافياً في موازنة العام 2024 قيمته 15 مليار دولار، فيما يلوّح صقورها يومياً بشن حرب مدمّرة على لبنان، توازي بشراستها حرب غزة.

 

ويعتقد البعض أنّ إسرائيل كانت تحاول استغلال وساطة هوكشتاين في لبنان بهدف وحيد هو خلق إطار سياسي وقانوني على الحدود الشمالية، يضمن منع «حزب الله» من القيام بعمليات ضدّ إسرائيل، فتتفرّغ لغزة وتستفرد بها. وهذا تحديداً ما رفضه «الحزب» عندما ربط أي تسوية محتملة في الجنوب اللبناني بوقف النار في غزة.

 

ولكن، في الموازاة، يسأل آخرون: ألا يغامر لبنان بتعريض نفسه للتدمير في سبيل دعم غزة؟ فإذا كان الغطاء الأميركي هو الذي منع إسرائيل دائماً من تنفيذ ضرباتها الجوية في الداخل اللبناني، منذ صدور القرار 1701، فمن سيمنعها اليوم من شن الغارات عليه بذريعة الانتقام أو التأديب وخرق هذا القرار؟ وفي رأي هؤلاء، أنّ الضمانة الأساسية للبنان تكمن في استمرار هذا الغطاء الدولي والعربي.

 

المتفائلون يقولون إنّ لا مصلحة لإسرائيل في القيام بمغامرة عسكرية في لبنان، بناءً على تجربتها في حرب العام 2006. فحينذاك، رفعت شعار إضعاف «حزب الله» وشلّ قدراته على الحدود الجنوبية، لكن النتيجة انتهت بتدمير كبير للبنى التحتية في لبنان، من دون إصابة «الحزب» بأضرار تُذكر.

 

وعلى العكس، كان «الحزب» في موقع ضعيف نسبياً، نتيجة انسحاب القوات السورية قبل عام، فبدأ بعد حرب تموز، يصعد بقوة حتى باتت له الكلمة الفصل في أي قرار حالياً.

 

ويدرك الإسرائيليون أنّ الصيغة المثلى لإبعاد خطر «حزب الله» ليس ضربه بالصواريخ من الجو، بل إدخاله في تسوية سياسية تبعده عن الحدود مسافة كافية في الداخل اللبناني، ومنعه من الحصول على صواريخ دقيقة بعيدة المدى أو مسيّرات ذات قدرات نوعية يمكن أن تشكّل خطراً على إسرائيل. وعلى الأرجح، هذه الصواريخ والمسيّرات التي يملكها «الحزب» هي التي ستكون محور النقاش الحقيقي خلال أي مفاوضات مقبلة، لأنّها الأمر الذي يثير قلق إسرائيل فعلاً وليس وجود المقاتلين جنوب الليطاني.

 

لكن «حزب الله» لا يتخلّى عن قدراته هذه. وهو بالتأكيد لن يقبل بوضعها تحت سلطة الدولة، إلاّ إذا كانت هذه الدولة مطمئنة تماماً له. وهذا تحديداً ما سيتمكن من تحقيقه بامتلاكه القرار السياسي والأمني الأول في البلد. ففي هذه الحال، يصبح سلاحه جزءاً من سلاح الشرعية في لبنان، ويكون هو رأس هذه الشرعية، فيبقى ممسكاً به. وقد لا ترفض أي من القوى الدولية والإقليمية ذلك، إذا تحقق ضمن تسوية كبرى توفر المصالح للجميع.