لا تبدو مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، في رحلة يمكن أن تتوفّر لها ظروف النجاح، فهذه المبادرة عالقة الآن وسط عقد شبه مستعصية، يتطلّب تجاوزها تغييراً في الموقف سواء في إسرائيل أم لدى «حزب الله»، لكن الواضح أنّ الرهان على الضفتين، مرتكز على الوقائع الميدانية، التي بدورها ستحدّد مسار التصعيد على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.
هذا الرهان على التوازن الميداني، اختصر به الأمين العام لـ»حزب الله» كلمته معنوناً إيّاها، بمعادلة «أهلاً وسهلاً بالحرب»، وتاركاً الباب لمعادلة «لكل حادث حديث» بعد نهاية الحرب ووقف إطلاق النار في غزة.
بهذا الاختصار والوضوح، علّق نصرالله مهمة هوكشتاين على حبال الانتظار والتصعيد، وترك الباب أمام إسرائيل، كي تختبر الأهداف التي وضعتها في الجنوب، ما إذا كانت قابلة للتحقيق، من خلال رفع منسوب المواجهة إلى حرب شاملة.
والواقع أنّ المهمة الأميركية لحصر الحرب في غزة، التي انطلقت منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهة، باتت كلها في وضع خطر، لا سيما بعدما أطلقت إيران العنان لأذرعتها، لتسخين كل الجبهات، من العراق إلى اليمن فالجنوب اللبناني.
وإذا كان الجنوب الذي يقود فيه «حزب الله» حرب مساندة غزة، يمكن أن يبقى في منطقة التصعيد المضبوط، فإنّ الاستدراج الإيراني للولايات المتحدة الأميركية في البحر الأحمر، عبر تحريك الورقة الحوثية، يُنذر بتحوّل الوسيط الأميركي، إلى مشارك في حرب استنزاف يتفوّق فيها عسكرياً، من دون القدرة على الانتقال إلى ضرب سلطة الحوثي وإزالتها، وهذا ما يبقي لها القدرة على شلّ الملاحة البحرية، وتنفيذ أهداف إيران.
هكذا تنتقل الولايات المتحدة الأميركية من موقع إدارة حصر الصراع، إلى موقع المشارك في المواجهة، ردعاً لأذرعة إيران التي باتت تتصرف من موقع المبادر، على وقع اقتراب الحرب في غزة من الانتقال إلى مراحل عسكرية وميدانية متقدّمة.
في الملف اللبناني، وبعد إقفال نصرالله الباب أمام المسعى الأميركي، الذي يجهد لترسيم الحدود ووقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، بات من الممكن القول إنّ المرحلة الثانية من المواجهة، قد تبدأ في أيّ لحظة، في استنساخ للحرب في غزة، وسيؤدي ذلك إن حصل إلى تكرار مشاهد لا تخفّف من وطأتها معادلة «أهلاً وسهلاً بالحرب»، بفعل القدرات التدميرية الكبيرة التي ستمارس، وبفعل استنفاد الجهود الدبلوماسية التي عجزت منذ السابع من تشرين وإلى اليوم، عن إتمام هدف عودة الهدوء إلى الحدود، وتكليف قوات الطوارئ الدولية باستكمال تنفيذ ما لم ينفّذ من القرار 1701.