لماذا لم تنجح زيارة الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت؟ السؤال في حد ذاته غير صحيح، لان الزيارة اجهضت في «تل ابيب»، وكانت فارغة من اي مضمون جدي للبحث والنقاش. لهذا لا داعي لانتظار اي جديد اميركيا قبل الانتخابات، بعدما اثبتت الوقائع ان رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو يمضي قدما في استراتيجيته، التي تراهن بعض القوى السياسية على نجاحها، وتبني عليها الكثير من الاوهام التي تكذبها الوقائع، باقرار بعض «الاسرائيليين» الذين يجزمون انه لا يمكن هزيمة حزب الله.
وفي هذا السياق، تشير اوساط سياسية بازرة الى ان هوكشتاين لم يحمل معه افكارا جدية للمناقشة او المساومة، وهو جاء فقط كجزء من حملة العلاقات العامة لحملة الديموقراطيين الانتخابية قبل ايام قليلة من موعدها، للايحاء بان الادارة الاميركية تعمل بجهد لاحلال السلام ووقف الحرب، على امل بان تجتذب اصوات الناخبين العرب والمسلمين، الذي نجح المرشح الجمهوري دونالد ترامب باستقطابهم، نتيجة عدم بذل المرشحة كاملا هاريس اي جهد جدي لاقناعهم بموقفها، فيما استنفر ترامب والد صهره اللبناني مسعد بولس على خط هؤلاء ،وعقد معهم اكثر من 100 لقاء لاقناعهم بانه الاقدر على وقف النار في الشرق الاوسط.
ولهذا لم يكن امام بايدن وهاريس سوى حملة العلاقات العامة المخيبة للآمال، وذلك بارسال وزيرالخارجية انتوني بلينكن الى المنطقة عقب يوم واحد من زيارة هوكشتاين الى بيروت، لكن النتيجة «صفر»، ليس فقط لان القراءة الاميركية غير الواقعية تفترض استسلام حزب الله، وكذلك الحديث عن وهم تخلي ايران من «اذرعها» في المنطقة، بل لان رئيس حكومة العدو بينامين نتانياهو لا يقيم وزنا لبايدن وادراته، ويتعامل معها بازدراء شديد، وقد كشف ترامب عن ذلك بقوله» أن نتنياهو سبق أوبلغه بأنه لا يصغي للرئيس جو بايدن».
وقد اثبتت الوقائع بان نتانياهو يواصل تقديم الدعم غير المباشر لصديقه وحليفه ترامب، والاستخفاف ببايدن وبالإدارة الأميركية وابتزازها في مرحلة حساسة عشية الانتخابات الرئاسية الوشيكة. وفي هذا السياق، لم يكن لبنان او غزة اولوية في زيارة بلينكن وهوكشتاين، فقد جاء وزير الخارجية الاميركية لاقناع نتانياهو بتأجيل الضربة لايران الى ما بعد الانتخابات الاميركية، لكن نتانياهو يبدو مصمما على توجيه الضربة خلال ايام، غير مكترث بتوسل بلينكن الذي حمل من بايدن اقترحات بتقديم المزيد من المال والسلاح والذخائر والمنظومات الدفاعية «لإسرائيل»، مقابل تقليص الضربات وتأجيلها، لكن وبحسب صحيفة «يديعوت احرونوت» يتجه نتانياهو لتوجيه ضربة قريبا جدا من موعد الانتخابات الأميركية، على أمل أن تعطي ترامب الدفعة المطلوبة لتأمين فوزه وعودته للبيت الأبيض، ويبدو انهما على تنسيق تام في ما يخدم حظوظ ترامب العودة للحكم، وبالتالي مساعدة نتنياهو نفسه في البقاء في الحكم ايضا.
هكذا يفكر نتانياهو، ولا يوجد على جدول اعماله مصلحة خصوم حزب الله في لبنان، لانه غير معني باي اتفاق سياسي راهنا، وهو يريد مواصلة الحرب لانه يعتبر ان «السابع من أكتوبر» حدث تاريخي جلل، أصاب وعي «الإسرائيليين» بصدع عميق، والشفاء من هذه الصدمة ليس سهلًا. و»طوفان الأقصى» خلخل ثقتهم بالجيش وبالدولة وبالمشروع وبالمستقبل، وشكّل ضربة مهينة لهم، لا موجعة فحسب. ولذا، فإن الضربات لحزب الله ليست كافية بعد لنسيان طوفان الأقصى ونتائجه، وهذا ينعكس في استطلاعات متتالية تظهر أن شعبية نتنياهو لا تحلّق، وأنه بحال حصلت انتخابات الآن، سيرسله «الإسرائيليون» للبيت او السجن، وهو المصاب بجنون العظمة والمسكون بالهاجس التاريخي، ويرى نفسه «تشرتشل الإسرائيلي،» الذي سيغير الشرق الاوسط وربما العالم. لكن هل سينجح بذلك؟
الكثيرون يشككون بذلك في «اسرائيل» نفسها، وكذلك في واشنطن، وفيما يتواصل التعتيم «الإسرائيليّ» على مجريات الحرب مع لبنان، الا ان موقع «انترسبت» الاميركي «سخر» من الاستعراض «الإسرائيليّ» حول انتصاراته في جنوب لبنان، ولفت الى ان «الجيش الإسرائيليّ» يستمرّ في عمليته البريّة، فيما المسافة الفعلية نادرا ما تجاوزت البلدات الواقعة عند الخط الأماميّ من الحدود، وعلى النقيض من الادعاءات التي أطلقت تحت الإكراه أمام الكاميرات، فان مقاتلي حزب الله لم يتخلوا عن الحدود، وما تزال المعارك المميتة تدور مع القوات «الإسرائيليّة».
ولعل نصيحة الجنرال «الاسرائيلي» السابق اسحق بريك تفيد بعض المستعجلين من القوى السياسية اللبنانية الذين ينتظرون «جثة» حزب الله على ضفة النهر، فهو اكد بالامس ان من يفحص الوضع الذي وصلت اليه «اسرائيل» في الحرب، من حيث الوقائع وقدرة الجيش «الإسرائيلي»، سيدرك أن الوقائع على الأرض مختلفة بالمطلق مقارنة برغبة «مواطني الدولة» في تدمير حماس وحزب الله واجتثاث النظام الإيراني. وقال «إذا استمرت هذه الحرب، فلن تنتصر «اسرائيل» بل ستتحطم، فيما يواصل نتانياهو كالعادة إصدار تصريحات غير عقلانية عن تدمير حماس بشكل مطلق، وتدمير حزب الله وإضعاف إيران، وقبل حدوث كل ذلك، لا ينوي مناقشة أي اتفاق سياسي. ولفت بريك الى ان حزب الله تلقى ضربة قوية، لكنّه بعيد كلّ البعد عن الهزيمة».
وقال انه «استعاد قوته في غضون أيام قليلة فقط، وما زال يواصل نشر الدمار في مستوطنات الشمال، بل وسّع نطاق هجماته ولا يوجد أيّ مؤشر إلى أننا نقترب من إعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى منازلهم، وإذا استمرت هذه الحرب، فقد نفقد سلاح البرّ تماما، يقول بريك الذي يتساءل «هل هي ضربة قاضية ضدّهم أمْ ضربة مميتة لنا»؟
هو سؤال يجب ان تتوقف عنده «الرؤوس الحامية والفارغة» في لبنان، لان الاستعجال في الرهانات الخاسرة سيكون مكلفا، ولا بد من التروي في الاندفاع لملاقاة الاميركيين و “الاسرائيليين” في «منتصف طريق» مزروع «بالالغام» والاوهام. الحرب مستمرة والكلمة الاخيرة ستكون في الميدان، وسيدفع نتانياهو ثمن غرور النجاحات التكتيكية التي ستكلف «اسرائيل» خسارة استراتيجية، كما تقول اوساط مقربة من المقاومة.