ترتدي عودة ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية إلى واجهة الأحداث ومن بوابة الإنقسام الواضح في الإتجاهات، إزاء الطرح الأخير الذي سبق وقدّمه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان، طابعاً بالغ الدقة والأهمية، لجهة التوقيت الذي يُصادف مع تطورات دراماتيكية خطيرة على مستوى الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومع أزمة الغاز والنفط العالمية التي نجمت عنها، أو لجهة التساؤلات المشروعة لدى حول النوايا الحقيقية للوساطة الأميركية. وتعتبر أوساط سياسية مواكبة لهذا الملف، أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»إسرائيل»، قد وصلت إلى منعطف دقيق، ويالتالي من الصعب أن يكون الدور الأميركي اليوم معزولاً عن التطورات الناشئة على خطّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ومن هنا، فإن هذه الأوساط تتحدث عن أن الإصرار الأميركي على تحقيق اتفاق حدودي في هذه الظروف الراهنة، ينطلق من قرار «إسرائيلي» يهدف إلى تسريع الترسيم لإطلاق عمليات استخراج النفط والغاز في ظل الأزمة العالمية للمحروقات أولاً ، ومن قرار أميركي من إدارة الرئيس جو بايدن، بإنجاز الوساطة سريعاً وإبرام اتفاق يضع في أولوياته «المصلحة الإسرائيلية» وليس مصلحة لبنان.
وبالتالي، فإن الوساطة الأميركية والتي فرضتها واشنطن بعدما كانت المفاوضات قد بدأت بين لبنان و «إسرائيل» بوساطة الأمم المتحدة، كما تُضيف الأوساط المواكبة، تفتح الباب أمام العديد من الشكوك بموضوعية وحياد الوسيط الأميركي، وتجعل من التساؤلات حول مصير الملف وعملية التفاوض الجارية وسط مناخ من الكتمان الشديد، في مكانها الصحيح والمشروع، في ضوء المستجدات على الساحة اللبنانية وتطورات الأزمة المالية والإقتصادية، والتي تجعل من مسألة الترسيم واستفادة لبنان من ثروته البحرية، مجالاً لإنقاذ لبنان من أزماته المتراكمة، والتي تضاعفت مع بدء الحرب في أوكرانيا وتردداتها على صعيد الأمن الغذائي العالمي وبالطبع اللبناني، والهواجس المتعددة التي تعيشها الساحة المحلية جراء الأزمات والتي برزت أولاً على صعيد المحروقات من خلال عودة مشهد الطوابير أمام محطات المحروقات في الساعات الـ 48 الماضية.
وبرأي الأوساط المواكبة لملف الترسيم، فإن عودة الوسيط الأميركي إلى بيروت، ستعيد مجدداً أجواء الإنقسام الأخير بين الأطراف المعنية بهذا الملف، خصوصاً في ظلّ الإنقسام حول خطّ التفاوض رقم 23 والخطّ 29، واعتبار البعض أن خطّ التفاوض هو الخطّ 29 وليس الخطّ 23، مقابل إصرار البعض الآخر الذي يتولى عملية التفاوض، على الإعتبار أن الخطّ 23 هو أساس الترسيم المرتقب.
وعليه، فإن الأوساط نفسها تحذر من أي «تنازل» في أي مسودة اتفاقٍ مع الجانب الأميركي ومن خلال ما يطرحه هوكشتاين في السابق واليوم أيضاً، والذي تبدو واضحة فيه حالة الإنحياز الأكيدة للعدو الإسرائيلي. وفي هذا السياق لم تهمل الأوساط الإشارة إلى أن مواجهة «الأطماع الإسرائيلية» والإنحياز الأميركي، تتمّ عبر العودة إلى إطار المفاوضات السابقة كما انطلقت في الناقورة وبوساطة ورعاية الأمم المتحدة على المستوى الأول، وعدم السماح بأي إجهاز على الخطّ 29 على المستوى الثاني، والإعلان عن تفاصيل ومراحل المفاوضات والنقاط التي يبحثها المفاوضون على المستوى الثالث، إنطلاقاً من أن الثروة البحرية هي حقّ من حقوق الشعب اللبناني، ومن غير الجائز عدم التوصل إلى حلّ عادل ومنصف للبنان في عملية الترسيم.