الموفد الأميركي ركّز على اتفاق بايدن وما إذا كان بإمكان لبنان الضغط على «حماس» لقبوله
لو لم تكن إسرائيل عالقة في مأزق الحرب في غزة، وتواجه ضربات متتالية وقاسية على الرأس في الجبهة مع لبنان، لما كانت الإدارة الأميركية تتدخّل بكل ما أوتيت من قوة سياسية ودبلوماسية بغية الوصول الى هدنة بين تل أبيب وحركة حماس، ولما كانت أيضا تسعى عبر موفدها آموس هوكشتاين الى احتواء الحريق المندلع بين «حزب الله» وإسرائيل ومنع تمدد هذا الحريق الذي قد يؤدّي الى دخول المنطقة برمّتها في آتون حرب من الصعب التكهّن بما تكون عليه نهايتها.
من الواضح ان هوكشتاين الذي استهلّ جولته بزيارة إسرائيل حمل في جيبه رسالة أميركية واضحة بضرورة تبريد الجبهة مع لبنان وهو أطلع رئيس الحكومة الإسرائيلية على مخاطر توسّع إطار هذه الجبهة في ظل عجز إسرائيلي على حسم المعركة في غزة، ورغبة الرئيس جون بايدن بوقف هذه الحرب لغايات سياسية تتعلق بالانتخابات الأميركية بالدرجة الأولى، وثانيا بفعل انشغال واشنطن بما يجري بين روسيا وأوكرانيا، ورصد التوسّع الصيني على مساحة العالم.
أما لجهة زيارته الى لبنان فان معلومات تحدثت عن حمل هوكشتاين رسالة في ثناياها تهويلا وتحذيرا من مغبة عدم وقف الجبهة الجنوبية واستمرار ربطها بالحرب في غزة، غير ان مصادر عليمة قالت ان الحديث عن رسائل تهديد حملها الموفد الأميركي مبالغ فيه، ولو كانت واشنطن تريد أن تهدد لما كانت تحتاج الى إرسال موفد، فهذا الأمر يمكن إيصاله عن طريق تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض، فالرجل ليس المهم ما سمعه من الحكومة الإسرائيلية تجاه لبنان، فهو جاء الى لبنان بحثاً عن إيجاد أي صيغة حل يمكن أن تنزع فتيل التوتر الحاصل بين لبنان وإسرائيل، وقد لوحظ خلال زيارته الى الرئيس نبيه بري انه حرص أن يكون تصريحه مكتوبا وهو لم يخرج عن النص، وكانت الرسالة التي يحملها واضحة وهي التركيز على الاتفاق الذي طرحه الرئيس الأميركي لتحقيق هدنة في غزة، وان في رأي هوكشتاين ان القبول بهذا الاتفاق من الأطراف المعنية من شأنه أن يؤسس لحل في لبنان، وهو كان واضحا لجهة ان واشنطن تعمل على حل دبلوماسي في الجنوب وعدم خروج الأمور عن السيطرة لانه في اعتقادها ان هذا حصل فان المنطقة ستدخل في وضع كارثي، وكان للموفد الأميركي تمنٍّ بأن يمارس لبنان نوعا من الضغط على «حماس» للقبول بالاتفاق، غير ان هذا الطلب لم يكن له الصدى في أي من المقرات التي زارها هوكشتاين.
أما الموقف اللبناني مما حمله هوكشتاين فكان موحّدا لجهة ان إسرائيل هي من تخرق القرار الأممي، وهي من تسعى لتوسيع رقعة الحرب، وأن لا ترسيم جديد للحدود فهناك خلاف على 13 نقطة ويجب حصر أي نقاش بهذه النقاط، ولبنان من جهته ملتزم بالقرار 1701 وجبهة الجنوب لن تستمر من جهة لبنان ثانية واحدة، ان توقفت الحرب في غزة وما لم تستمر إسرائيل بعدوانها على لبنان.
ووفق مصادر مطّلعة فان المقترحات التي سبق لهوكشتاين وناقشها مع الرئيس بري في آخر زيارتين له الى بيروت كانت محور نقاش هذه المرة أيضا، لكن ما تقدّم عليها اليوم هو اقتراح بايدن وضرورة التوصل الى وقف اطلاق النار في غزة وانسحاب هذا الأمر على جنوب لبنان.
وفي رأي المصادر انه من الخطأ القول أو الحصر ان الرئيس بري هو في موقع الوسيط بين هوكشتاين و«حزب الله» بل ان رئيس المجلس كان ولا يزال وسيبقى في صلب هذه المواجهة الدبلوماسية والعسكرية في وجه إسرائيل.
وكشفت المصادر ان رئيس المجلس كرّر أمام الموفد الأميركي للمرة المئة التزام لبنان بتطبيق القرار 1701، وعدم ممانعته في زيادة عديد الجيش اللبناني في الجنوب.، وهو سبق ان قال عندما طالبه ديبلوماسيون غربيون بزيادة 10 آلاف جندي انه لا مانع أن يكونوا 15 ألفا.
وحول طرح هوكشتاين القديم الجديد عن إعادة تموضع «حزب الله» على الحدود كان الرئيس بري واضحا لجهة ضرورة وقف اطلاق النار أولا. وهذه مسلّمة أساسية عند الحزب أيضا قبل الإجابة على أي من هذه الأسئلة، وقد وصل هوكشتاين الى اقتناع بعدم تراجع الحزب عن القتال إذا بقيت الحرب مفتوحة في غزة بعد مضي أكثر من ثمانية أشهر عليها.
وشدّدت المصادر ان ما سمعه هوكشتاين من الرئيس بري بهذا الخصوص كان محل تنسيق وتشاور بينه وبين الرئيس ميقاتي.
وفي تقدير المصادر ان ما نشره الإعلام الحربي في المقاومة حول ما عاد به «الهدهد» وهو اسم لطائرة مسيّرة وتضمن مسحاً دقيقا لمناطق في شمال فلسطين لم يكن وليد الساعة بل هو ربما يكون حصل منذ أيام أو أسابيع، لكن توقيته أمس كان ردّا واضحا وصريحا على ما حمله من تهديدات إسرائيلية، وما نشر رسالة واضحة بأن هناك بنك أهداف كبير سيكون هدفا لصواريخ ومسيّرات المقاومة في اللحظة الأولى التي تقوم بها إسرائيل بأي عمل عسكري واسع النطاق ضد لبنان، وخطورة ما نشر بالنسبة لتل أبيب ان مسيّرات المقاومة التي هي حكما تختلف عن كل المسيّرات التي كشف عنها حتى الآن تجاوزت كل وسائل الدفاع الجوي وعادت من دون أن تتمكن الوسائل المتطورة لدى إسرائيل من كشفها.
وإذا كان من الصعب معرفة ما توصل إليه هوكشتاين في تل أبيب، غير ان الوقائع تشي بأن الجيش الإسرائيلي المتعب من الحرب في غزة غير قادر على خوض حرب واسعة مع لبنان، ولا سيما ان إسرائيل فوجئت الى حد كبير بالقدرة العسكرية الهائلة التي باتت تمتلكها المقاومة في لبنان، والسلاح التي تستخدمه وهو بالغ الدقة في إصابة الأهداف القريبة والبعيدة.