IMLebanon

سيناريو هوكشتاين: الرئيس أولاً ثم 1701

 

 

قد تكون زيارة الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين المنتظرة للبنان الشهر المقبل محاولة أميركية أخيرة لتجنّب اندلاع حرب شاملة انطلاقاً من جنوب لبنان، فطبول هذه الحرب يقرعها المسؤولون الاسرائيليون يومياً منذ «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، وكأنّهم يدركون أنّ «النصر» الذي يبحثون عنه في غزة لاستعادة «قوة الردع» التي فقدتها اسرائيل ليس بالأمر السهل، ويعتقدون أنّ «ضالتهم» يمكن ان تكون بتوجيه ضربة الى «حزب الله»، على الرغم من إدراكهم المسبق انّها ليست محمودة العواقب.

يعتقد سياسي مطلع وخبير في الشؤون اللبنانية والأميركية انّ زيارة هوكشتاين المنتظرة للبنان مطلع السنة الجديدة ستكون بمثابة محاولة أميركية أخيرة لمنع تحوّل المواجهات الجارية بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي على حدود لبنان الجنوبية إلى حرب شاملة، لطالما اعلنت واشنطن ومعها عواصم إقليمية ودولية في مقدّمها طهران، انّها لا تريد نشوبها. بل انّ الإدارة الاميركية اعلنت مراراً انّها منعت اسرائيل ولا تزال من شن حرب على لبنان، مخافة ان تتحول حرباً شاملة في المنطقة.

 

يؤكّد هذا السياسي إلى حدود الجزم، أنّ مهمّة هوكشتاين الأساسية في زيارته المقبلة لن يكون موضوعها وقف المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، بمقدار ما ستكون مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، في اعتبار أنّ اي ترتيب للحدود اللبنانية الجنوبية بموجب القرار الدولي 1701 أو غيره، يفرض وجود سلطة لبنانية ترعاه، خصوصاً أنّ القوات المسلحة اللبنانية المنتشرة في جنوب نهر الليطاني انما تأتمر بأمر السلطة التنفيذية اي مجلس وزراء، وهذه السلطة هي الآن سلطة تصريف أعمال في ظل الفراغ الرئاسي.

ويقول السياسي ايّاه، انّ هوكشتاين آتٍ هذه المرّة في ظل ارتفاع أصوات إسرائيلية على مستوى المسؤولين الكبار، الداعية إلى توجيه ضربة لـ»حزب الله» وبالتالي لإيران، لتأمين عودة المستوطنين النازحين الى المستوطنات الشمالية، ما يعني أنّ الوقت ينفد أمام تجّنب حرب على لبنان.

 

وفي هذا السياق، يستعيد هذا السياسي قولاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري غداة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حيث قال يومها إنّ «قوة لبنان في وحدته، وعندما وقف لبنان بصوت واحد اخذ حقوقه في البحر». ويضيف السياسي نفسه «إذا كان «حزب الله» سيبحث او يفكر مجرد التفكير في انسحاب إلى شمال نهر الليطاني، فإنّه لن يُقدم على انسحاب من هذا النوع في ظلّ الفراغ السائد في سدّة رئاسة الجمهورية، أما إذا إنتُخِب رئيس الجمهورية يثق به أو يطمئن اليه، فإنّه سيكون عندئذ مستعداً للبحث في تنفيذ القرار 1701 ولكن على جانبي الحدود وليس على الجانب اللبناني فقط، وفي هذه الحال يكون الحزب قد ربح معركة انتخابات رئاسة الجمهورية وبات المفاوض الأول، وطبعاً غير المباشر، مع إسرائيل في شأن الحدود وغيرها.

 

ويشبّه هذا السياسي الخبير في السياسة الاميركية زيارة هوكشتاين المرتقبة للبنان، بزيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق توماس شانون للبنان مطلع أيلول 2016 أيام السفيرة الأميركية السابقة اليزابيت ريتشارد قبل شهرين من انتخاب العماد ميشال عون رئيساً الجمهورية في 31 تشرين الأول من العام نفسه. فيومها كان هناك اتفاق أميركي ـ إيراني قد تبلور اوهو قيد التبلور مثلما هي الحال الآن، وكان الفراغ الرئاسي في لبنان مستحكماً. وأبرز الذين التقاهم شانون يومها كان رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزيرالخارجية يومذاك جبران باسيل. وحسب أحد الذين شاركوا في لقاءات شانون في ذلك الحين أنّ الأخير سأل محدثيه: ما الذي يمنع انتخاب رئيس الجمهورية؟ فرُدّ عليه «أنّ حزب الله يؤكّد أنّه إذا لم يُنتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية لن يكون هناك رئيس للبنان مهما طال الزمن؟»، فردّ شانون بسؤال: «ما الذي يمنع انتخاب عون؟» فأجابه محدثوه: «ما يمنع انتخابه هو وجود «فيتو» سعودي عليه». فسأل شانون محدثيه مجدداً: «كيف لنا أن نُعجّل في انتخاب رئيس جمهورية؟». فأجابوه: «أنّ على الولايات المتحدة الأميركية أن تتفاهم مع المملكة العربية السعودية على رفع «الفيتو» عن عون». وبالفعل كان هذا ما حصل، حيث رُفِع هذا «الفيتو»، ثم بادر كل من زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط إلى تأييد ترشيح عون، وبالتالي انتخابه في جلسة دعا إليها بري في 31 تشرين الأول 2016، أي بعد مرور شهرين بالتمام والكمال على زيارة شانون الشهيرة في الأول من أيلول من العام نفسه.

 

ولم يستبعد السياسي ايّاه ان تندرج زيارة هوكشتاين للبنان ضمن سيناريو مشابه، من شأنه ان يؤدي إلى انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، بعد سعي أميركي لرفع «الفيتو» السعودي (الذي يقول البعض انّ الرياض تضعه عليه)، وسيقول هوكشتاين لمحدثيه إنّه إذا كان تجنّب الحرب وعدم توسعها انطلاقاً من جنوب لبنان ثمنه الإتيان برئيس للجمهورية يطمئن «حزب الله» وحلفاءه إليه فلا مشكلة في هذا الأمر.

 

وتأسيساً على ذلك، يتوقع هذا السياسي، وهو من المطلعين على الموقف الاميركي، أن يتمّ انتخاب رئيس جمهورية في كانون الثاني المقبل. ويلفت إلى أنّ الحراك الذي سيقوم به رئيس مجلس النواب في مطلع السنة الجديدة في شأن الاستحقاق الرئاسي سيستبق زيارة هوكشتاين، ويمكن ان يؤمّن المناخات اللازمة في اتجاه الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وغالب الظن أنّ لدى بري من المعطيات المهمّة ما شجعه على حراكه الرئاسي المنتظر، فيما تدور التساؤلات وتتكاثر حول ما سيكون عليه موقفا «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» في حال رفع «الفيتو» السعودي عن ترشيح فرنجية، مثلما رُفِع سابقاً عن ترشيح العماد ميشال عون ودفع معارضيه إلى القبول به بين ليلة وضحاها وانتخابه رئيساً للجمهورية بعد فراغ رئاسي دام اكثر من سنتين.