هل بدّدت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الى لبنان الاجواء التشؤمية، أم عزّزت الأجواء الإيجابية التي سادت قبلها بشأن التوصّل الى اتفاق حول مسودة المقترح الأميركي بشأن وقف إطلاق النار بين حزب الله و “إسرائيل”؟ هو السؤال الأبرز الذي يفرض نفسه على الساحة اللبنانية خلال الزيارة المفصلية للمبعوث الأميركي لكلّ من بيروت (أمس) و”تلّ أبيب” (اليوم). وإذ أجرى هوكشتاين محادثات مع المسؤولين اللبنانيين أمس، لفت الأنظار اللقاء الذي جمعه مع برّي في حضور السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، إذ دام للمرة الأولى نحو ساعتين، ناقش خلاله الرجلان تفاصيل الاتفاق الذي حمله هوكشتاين معه في ملف ضخم… كما سبقه عشية زيارته الى بيروت اتصال هاتفي مع برّي دام لمدّة ساعتين أيضاً. وكرّر هوكشتاين خلال تصريحه من عين التينة مرتين أنّ”أمامنا فرصة حقيقية وفعلية لإنهاء النزاع”، مشدّداً على “أنّنا ملتزمون ببذل ما بوسعنا لتضييق الفوارق وسدّ الثغر الموجودة منذ أسابيع، وسأستمرّ في ذلك”. وبدا إيجابياً وأكثر تفاؤلاً بقوله “نحن على مقربة من تحقيق وقف إطلاق النار… وهذه هي لحظة اتخاذ القرار”، آملاً أن تكشف “الأيام المقبلة عن قرار حاسم”.
وما أظهره المسؤولون اللبنانيون (أي برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون)، خلال محادثاتهم مع هوكشتاين الثلاثاء، على ما تؤكّد مصادر سياسية مطّلعة هو “تيسير وتسهيل تنفيذ القرار 1701″، الأمر الذي كان المبعوث الأميركي ممتناً منه خلال كلامه عن أنّ “المحادثات كانت بنّاءة وإيجابية جدّاً”، وأنّ “ثمّة بحث جدّي للوصول الى صيغة تتناسب مع مطالب جميع الأطراف”، في ما يتعلّق بوقف إطلاق النار بين حزب الله و “إسرائيل”. ولكن يبقى الردّ “الإسرائيلي” هو الأساس في الموافقة على الاتفاق، أو في نسفه من خلال المراوغة التي تطبع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلأال التفاوض، أو من خلال فرض شروط جديدة.
وثمّة خشية كبيرة ممّا سيكون عليه الموقف “الإسرائيلي” الذي سيتبلّغه هوكشتاين اليوم خلال وجوده في “تلّ أبيب”، على ما تلفت المصادر، وسط ما تبديه إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن حرصها على الالتزام بما سيشمله الاتفاق بين لبنان و “إسرائيل”حول وقف إطلاق النار. فضلاً عن الدعم الذي تبديه فرنسا لوقف إطلاق النار في لبنان قريباً، من ضمن المحاولات الخارجية لإنهاء الحرب قبل وصول ترامب الى البيت الأبيض. فالكرة في ملعب “الإسرائيلي” اليوم، والقرار هو رهن إجابته على الاستيضاحات اللبنانية بشأنّ “الحقّ في الدفاع عن النفس”، ولا سيما أنّ لبنان لن يوافق مطلقاً على أي اتفاق يمسّ بسيادته، وإن طالت الحرب لأكثر من عام. ويريد بالتالي ضمان عدم خرق “إسرائيل” للأجواء اللبنانية، على ما كان يحصل دائماً خلال الحرب والسلم، سيما أنّها غالباً ما استخدمت الأجواء اللبنانية لتنفيذ ضربات داخل سوريا، مسجّلة خروقات فاضحة للسيادة اللبنانية. كما يرفض أن يتحوّل الى الضفّة الغربية الثانية.
وفي ما يتعلّق برفض لبنان إدخال بريطانيا وألمانيا الى لجنة مراقبة الإشراف على تنفيذ القرار 1701، والحديث في وقت لاحق عن قبوله بهذه النقطة، أوضحت المصادر “أنّ موقف لبنان شكلي فيها. وهو ينطلق في ردّه من أنّ لهاتين الدولتين دور ضمن قوّات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان”، ويمكن بالتالي للأمم المتحدة الإشراف على تطبيق القرار المذكور.
وإذ تساءل البعض عمّا إذا كان باستطاعة هوكشتاين فعلاً إجراء اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، ونحن على قاب شهرين من تسلّم ترامب السلطة في البيت الأبيض، الأمر الذي لم يُحقّقه طوال العام الذي مرّ على بداية هذه الحرب، اعتبرت المصادر نفسها أنّ زيارة هوكشتاين الى كلّ من بيروت و “تلّ أبيب” لن تؤدّي بالضرورة الى وقف إطلاق النار بعدها مباشرة. فهي خطوة على طريق المفاوضات، كما على طريق عودة اللبنانيين الى قراهم وبلداتهم.
وتقول انّ الإيجابية ظهرت من كلام هوكشتاين، ومن القبول المبدئي من لبنان بالمقترح الأميركي ما استدعى عودة هذا الأخير الى المنطقة لإيجاد الحلول لبعض المسائل. ولكن هل ستقود هذه الإيجابية الى وقف العمليات العسكرية بشكل مباشر؟ الإجابة مرهونة بالمعنيين الأساسيين، وفق المصادر السياسية، وهما “إسرائيل” من جهة، وإيران من جهة أخرى. والسؤال هنا: لماذا توقف “إسرائيل” هذه الحرب اليوم، وهل ستأتي بشروط إضافية؟ هل تريد تحقيق المزيد من المكاسب؟ ولماذا ستُهدي إدارة بايدن التي تهمّ بالرحيل مثل هذه الهدية؟ يبدو أنّ الصورة لم تنجلِ بعد بين إدارة ترامب وإيران.
من هنا، تلفت الى أنّه ليس هناك ما يشير الى أنّنا ذاهبون الى وقف لإطلاق النار قريباً. والثابت أنّ نتنياهو يُراوغ كعادته. فهو يتحدّث من جهة عن أنّه مع قرار وقف إطلاق النار، ويقول من جهة ثانية إنّه أمام “معركة وجودية”. ويجد نفسه بالتالي أمام لحظة تاريخية مفصلية لن تتكرّر، بين اندثار “دولة إسرائيل” التي يحلم بوجودها، وإنقاذ هذه الدولة وتوسيعها ويُحارب عن العالم وعن “قيمه”، من وجهة نظره، معتقداً أنّه “الملك داود الذي سيُنقذ إسرائيل”. كما ذكر بأنّ الإتفاق “مجرّد ورقة”، ما يعني أنّ بإمكانه تمزيقها متى يشاء… وقد سبق وأن وافق نتنياهو على تنفيذ البيان الدولي العربي المشترك لوقف النار، ثمّ عاد ليرفضه. ولهذا يُطالب لبنان اليوم بضمانات أميركية ودولية بشأن التزام “إسرائيل” باتفاق التسوية. هذا الإتفاق الذي سيستتبعه، وفق المعلومات، مساراً طويلاً من المفاوضات لتثبيت الحدود البريّة، برعاية الأمم المتحدة خلال المرحلة المقبلة.
وإذ ألمح هوكشتاين الى أنّه يُبقي المفاوضات “غير معلنة”، الى حين التوصّل الى اتفاق على وقف إطلاق النار، انتقدت نائبة المعارضة نجاة صليبي برّي بقولها إنّه لا يحقّ له أن يخوض مفاوضات “سريّة”، وأن يختصر الدولة في ظلّ الشغور الرئاسي، تلفت المصادر المطّلعة الى أنّ “لبنان ليس في صدد عقد إتفاق جديد، وإلّا كنّا نحتاج الى وجود رئيس للجمهورية للتفاوض باسم لبنان والتوقيع على الاتفاق”. لكننا أمام إتفاق حول آلية تنفيذ قرار دولي صادر في العام 2006، لم يُطبّق ويطالب اليوم بتطبيقه من جميع الأطراف. وينصّ على إنهاء الأعمال العدائية بين الجانبين (حزب الله و”إسرائيل”) الى حين التوصّل الى اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار. كذلك فإنّ عدم وجود رئيس للجمهورية مكتمل الأوصاف والصلاحيات هو الذي يجعل برّي، بصفته رئيس مجلس نوّاب شرعي، يُفاوض باسم لبنان.
أمّا تأجيل كلمة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم التي كانت مقرّرة أمس الى موعد لاحق يحدّد في حينه، فبسبب الإفساح في المجال لإنجاز الإتفاق الذي تسعى الإدارة الأميركية اليه، على ما ترى المصادر، لإنهاء الملف اللبناني على أعتاب بداية عهد ترامب، ليكون كهدية له، وليس لإدارة بايدن الراحلة.