أفكار أميركية لتطبيق مخفَّف للقرار 1701 تقلق قوى المعارضة
تعثّرت مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار في غزة، وتعثّرت معها أحوال إعادة الاستقرار جنوبا، واستطرادا المهمة التي من أجلها جاء المستشار الرئاسي الاميركي آموس هوكستين إلى بيروت فتل أبيب، ساعيا إلى إحلال ترتيبات حدودية عاجلة تواكب التطورات في القطاع وتمنع تشظي العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل إلى ما هو أخطر وأدهى.
أكْرهَ التعثّرُ في القاهرة المعنيين على إرجاء التفاوض إلى الأسبوع المقبل، لكنّه لم يُعِد الأمر إلى النقطة صفر. وتاليا صار المتوقّع أن تشهد وتيرة الحوار من أجل تثبيت هدنة رمضان في غزة تسارعا لافتا في محاولة لتخطّي العراقيل التي تواجه المفاوضين الأميركي والمصري والقطري، الى جانب المعنيين في إسرائيل وقيادة حماس.
لا ريب أن ضيق الوقت الفاصل عن بدء شهر رمضان بات يرخي بثقله على هؤلاء، مع إصرار الإدارة الأميركية على أن تدخل الهدنة حيّز التنفيذ مع بداية رمضان أو في الأسبوع الأول منه، فيما الفريقان المعنيان، إسرائيل وحماس، يخوضان عملية شدّ حبال واضحة تُؤثّر سلباً على سير التفاوض.
الواضح أنّ الإدارة الأميركية لن تألوَ جهدا لوقف النار في غزّة، بما يؤدي حكما إلى منع تمدّد الحرب وتحوّلها إقليمية، ولإدراكها إصرار حزب الله على ربط الساحات، حربا أو هدنة. والساحات بهذا المعنى لا تعني فقط لبنان، بل تمتد إلى كل مساحات النفوذ الإيراني في العراق واليمن، وجزئيا في سوريا.
يعتقد هوكستين أن في حوزته من أدوات الضغط ما يخوّله أن يبقى مطمئناً الى مآل جهوده التهدويّة، لكنه يدرك أيضا أن الهدنة في غزّة هي المنطلق للتهدئة بين حزب الله وإسرائيل. لذا هو عرض أفكارا تقوم على ٣ مراحل: تأمين الاستقرار الأمني عند الحدود، يليها حلّ المشاكل الحدودية جزئيا (باستثناء الأراضي المحتلة في شبعا)، لتنتهي بتطبيق سلس وجزئي ومخفّف للقرار ١٧٠١ بحيث يختفي أي ظهور مسلّح في مساحة معتَبرة في جنوب الليطاني، من دون أن يعني ذلك إجلاء عناصر حزب الله إلى خارج المنطقة باعتبارهم أبناء تلك الأرض، وهو أمر تفهّمه المسؤول الاميركي، وأثار للمناسبة امتعاض قوى المعارضة التي لا تزال تعوّل على تطبيق قسري للـ1701، وهي تعتقد بذلك أنه سيتيح لها الاستثمار السياسي في الداخل في معركتها ضد الحزب وتمدّد نفوذه.
وتُعدّ المرحلة الأولى في أفكار هوكستين مفتاحا للمرحلتين اللاحقتين، بالنظر إلى أن حزب الله يرفض أي نقاش قبل توقّف الحرب في غزة، فيما تشترط اسرائيل وقف عمليات الحزب شمالاً مدخلاً إلى عودة سكان المستوطنات. وهذا شرط متقدّم، لا تخفي تل أبيب أنها مستعدة لتنفيذه بالقوة العسكرية في حال لم تنجح العملية السياسية.
لم يضمّن هوكستين بعد أفكاره تلك في ورقة رسمية، في انتظار هدنة رمضان في غزة. وهو كان وعد المسؤولين في بيروت بتواصل جديد في غضون 48 ساعة من انتهاء زيارته، لكنه إلى الآن لم يفعل.
في أي حال، بات الرجل قيِّماً على مجمل الملف اللبناني، واضعا عناوين الإهتمامات الأميركية في لبنان بعد طول انقطاع. ولئن مرّ سريعا مع محدّثيه على الملف الرئاسي من باب سؤال المعارضة عن سبب رفضها الحوار في مجلس النواب، ثمة قناعة بأنه سيكون له دور متقدّم في حسم المسألة الرئاسية (بالطبع بالتنسيق مع السفيرة ليزا جونسون)، بحيث سيكون لواشنطن حضورها وتأثيرها متى أينعت لحظة القطف.
وكان هوكستين تقصّد التلميح إلى جملة مساعدات للبنان في حال سلك الحلّ الأمني، واستطرادا الحلّ السياسي، طريقه إلى التنفيذ، كمثل الدعم الدولي للاقتصاد، «لكن هذا لا يمكن أن يبدأ إلا عندما نتمكن من التوصل إلى نقطة للمضي قدماً»، الى جانب العودة الى البحث في إمكان استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، وتأكيده الاستعداد للدفع قدما في هذه المسألة، والتزاما أكبر بملف التنقيب عن الغاز والنفط. وعُدَّ هذا الامر اعترافاً بأن ثمة كوابح سياسية لا تزال تعيق أي انفراج لبناني، أو حتى أي مساعدة (كما حصل حين اضطُرّت باريس إلى إرجاء الاجتماع الدولي الخاص بدعم الجيش اللبناني بعدما تحفّظت الإدارة الأميركية عليه شكلا ومضمونا) ما لم يكتمل انضاج الحل، بدءا من إعادة الاستقرار جنوبا كمطلب رئيسي أميركي – إسرائيلي مشترك، يتيح إنهاء أزمة سكان المستوطنات الشمالية.