خلافا للواقع الرئاسي المسدود، مع فشل جهود “الخماسية” الدولية في حمل القوى السياسية على النزول عن الشجرة ، والشروع في التلاقي حول خيار ثالث ينتج رئيس جمهورية للبلاد، تبدو المعطيات ذات الصلة بجبهة جنوب لبنان أكثر ضبابية، استنادا الى المُسَرَب من معلومات في شأن مصير الجهود الديبلوماسية التي تقودها بالتكافل والتضامن الولايات المتحدة الاميركية عبر مستشارها الرئاسي آموس هوكشتاين وبريطانيا، التي قدمت مقترحاً لانهاء النزاع المُسَلح في الجنوب، بعدما دخلت لندن على الخط “بقبة باط” من واشنطن، كشريك في تأمين الدعم والمساعدة للجيش اللبناني لضبط الحدود، على غرار ما يحصل شرقا وشمالا، وإن كان لحسابات سياسية مختلفة لعل اهمها عدم السماح بالمس بخطوط الحدود، التي رسمها اتفاق سايكس- بيكو.
ازاء هذا الانسداد في الافق، تحوّلت الجهود الدولية في اتجاه “تل أبيب” وبيروت، لإطفاء نارها ومنع تمدد فتيلها الى الداخل، حيث يسعى وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيغورنيه في زيارته الأولى إلى لبنان، الى الحث على تطبيق القرار 1701 ومنع تمدد الحرب “الاسرائيلية”، حاملا تحذيرا اخيرا بوجوب وقف عمليات الاشغال التي يقوم بها حزب الله في الجنوب، لان خطرها قارب على بلوغ نقطة اللاعودة، على ما تؤكد مصادر ديبلوماسية عليمة، تماما كما فعل نظيره البريطاني جايمس كاميرون منذ ايام، والذي دعا الى التطبيق الفوري لمندرجات القرار 1701، ومنها تراجع حزب الله الى شمال الليطاني، لردع “اسرائيل” ومنعها من تطبيق تهديدها ووعيدها بشن حرب مدمرة على لبنان لضمان امن شمالها .
في هذا الاطار، تتحدث مصادر ديبلوماسية في بيروت، عن ان الرهان على نتائج زيارة الموفد الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين الى “تل ابيب” لم تكن على قدر التوقعات، رغم انه أحدث خرقا في الجبهة “الإسرائيلية” يمكن أن يبنى عليه، بعدما وضع القيادة في “تل ابيب” في أجواء العملية العسكرية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية ضد إيران وحلفائها، والتي تشكل عامل ردع لمصلحة “تل ابيب”، من هنا جاء تحذير للاخيرة من مغبة الذهاب ابعد في العمليات العسكرية في لبنان، ناصحا بعدم توسيع الصراع العسكري راهنا تحت أي ظرف، طالبا اعطاء الخيار الديبلوماسي وقتا اضافيا.
عزز هذا التوجه، ما صدر في وسائل إعلام “إسرائيلية” من أجواء عن فرص ضئيلة لنجاح المبادرات الديبلوماسية في لجم التصعيد شمالا، مقابل تأكيد أوساط في الثامن من آذار ان حارة حريك ثابتة على موقفها بعدم وقف إطلاق النار قبل وقف الحرب على غزة، كما انها لن تسمح لـ “إسرائيل” بالوصول إلى إنجاز سياسي، فنهاية الحرب يحدد شروطها محور المقاومة، خصوصا بعد الكلفة الباهظة للعدوان، لذلك فان المقاتلين على طول الحدود والخطوط الأمامية، لم ولن ينسحبوا ولن يتراجعوا، كاشفة ان حزب الله سيبلّغ المعنيين موقفه المبدئي، بأن على “إسرائيل” ان تقدم الضمانات المطلوبة، لأنها “اذا عادت فان الحزب سيعود”، وبالتالي فإن حزب الله ليس في صدد اراحة “إسرائيل” التي تتخبط في أزمة سياسية كبيرة.
وتتابع الاوساط بأن الحزب يتريث في التجاوب مع خطوة هوكشتاين، مترقباً مصير المفاوضات الجارية حول الهدنة في غزة وتفاصيل التسوية السياسية لانهاء الحرب، وما سيليها من اتفاقات سياسية، بعدما ربط جبهة الجنوب المسانِدة بمصير حرب غزة، وهو يخشى إن وافق على اقتراح التهدئة جنوبا، ان تعمد “اسرائيل” لاحقا الى استئناف عملياتها العسكرية في غزة، خصوصا ان اي اتفاق قد يُبرم يوجب سحب الحزب عناصره وقواته من قطاع جنوب الليطاني.
عليه، تختم الاوساط الديبلوماسية، بأنه في ضوء الاصرار “الاسرائيلي” على ربط عودة مستوطني الشمال انسحاب حزب الله الكامل إلى ما وراء نهر الليطاني من جهة، وتشدد الحزب من جهة أخرى، فإنه وبعكس كل ما نشر يمكن التأكيد ان جهود التسوية الأميركية قد تعثرت، وبالتالي باتت زيارة هوكشتاين إلى بيروت غير ذي جدوى، رغم التوقعات بإمكان لقائه المفاوض اللبناني خارج بيروت، ما سيبقي الميدان متقدما على طاولات المفاوضات المتنقلة، ربما لأن المقترحات تتبدل، أو لأن ما هو مطروح لم ينضج بعد.