IMLebanon

جولة بلينكن تظلّل عودة هوكشتاين الى بيروت هل قلق جعجع والجميل مُبرّر؟… وما سرّ واقعيّة جنبلاط ؟

 

 

الإرتباك الأميركي والتخبّط “الإسرائيلي” يُعقدان التسوية

“يديعوت أحرنوت”: نحن في حفرة ولا نتوقف عن الحفر!

 

استباق رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” سامي جميل وصول مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين الى بيروت، برفض حصول مقايضة بين الرئاسة والتطورات على الحدود، يحمل في طياته مغالطتين اساسيتين، الا انه يعكس قلقا حقيقيا من قبلهما ازاء وجودهما مع المعارضة على هامش الاحداث المفصلية في المنطقة.

 

اما المغالطتان، فهما بحسب مصادر سياسية بارزة، انه لا رأي لمن لا يطاع ، ولا ولمن لا يملك اي تأثير في الاحداث، بمعنى ان “النحيب” المبكر حتى لو اصبح “صراخا”، لن يصل الى مسامع دوائر القرار في الاقليم والعالم، وعندما يحين وقت التسويات، لن تقف واشنطن والمعسكر التابع لها عند تفاصيل صغيرة تتعلق بالواقع اللبناني، لان ما يحكم هذه المعادلات لغة المصالح التي تتحكم بها معادلات القوة، وغدا عندما يحين الوقت لن يكون على “الطاولة” الا حزب الله كطرف ذات تأثير داخلي واقليمي ودولي، ولا نقاش في الحلول المفترضة الا معه، باعتباره الطرف المقرر الذي يملك بين يده “اوراق” قوة تمنحه القدرة على المناورة لتحسين شروطه، وتحقيق المكاسب التي تناسب مع موقعه في المعادلة التي جرى فرضها بالحديد والنار، ودفع ثمنها في الميدان شهداء على طريق القدس.

 

اما المغالطة الثانية فترتبط بالتوقيت، ان عدم اكثراث واشنطن في وضع حلفائها من خصوم حزب الله في اجواء ما يحاك للمنطقة ولبنان، جعلهم يتشككون من نواياها، وفي غياب الحد الادنى من المعلومات، يصبح الذعر سيد الموقف. مع العلم، ان لا شيء يوحي بوجود حلول ناضجة سواء في المنطقة او لبنان، وزيارة هوكشتاين المرتقبة اليوم ستكون بائسة بنتائجها، كبؤس نتائج الجولة الخامسة لوزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن الى المنطقة، ولن تتبلور الافكار التي يحملها معه حول ترتيبات الحدود البرية جنوبا الى واقع مع استمرار الحرب المفتوحة على غزة، وسيبقى الوضع في لبنان في سباق بين التصعيد المضبوط واحتمال خروج الاحداث عن السيطرة. واليوم، سيعود هوكشتاين حاملا معه تأكيدات على عدم رغبة بلاده في توسيع دائرة القتال على الحدود الجنوبية، وسيشير الى ان واشنطن لا تزال حتى الآن قادرة على كبح جماح “الحكومة الاسرائيلية”، لكن هذا الامر لا يمكن ان يستمر طويلا، ولهذا سينصح بالمضي قدما في بحث مسألة الحدود البرية كمؤشر على الرغبة في عدم التصعيد، اي انه سيحمل معه مقايضة لجم الحرب، واخراج الحزب من المعادلة، مقابل التفاوض على الترسيم.

 

طبعا سبق لحزب الله ان رفض تلك المحاولات الاميركية “الخبيثة” لفصل جبهتي لبنان وغزة، مقابل الحصول على ضمانات امنية “لاسرائيل” التي تحكمها حكومة متطرفة، تتحدى رغبات ادارة بايدن الضعيفة عشية الانتخابات، ووصل الامر باحد المعلقين “الاسرائيليين” البارزين الى الاستغراب قائلا “هم يفعلون ذلك مع علمهم انه دون دعم اميركا سنضطر لمحاربة حزب الله بالعصي والحجارة ! ولهذا فان اي رهان على ضغط اميركي فعال في هذه المرحلة لا يبدو في مكانه، وقد عاد بلينكن الى واشنطن خالي الوفاض، وهذا ما يعبر عنه بسخرية كاريكاتير نشرته صحيفة “هآرتس”، وفيه تدخل سكرتيرة نتنياهو عليه وتبلغه أن بلينكن قد وصل (يقف خلف الباب مرتبكا)، فيرد نتنياهو بالقول مستخفا: يعود مجددا؟!

 

طبعا ليست، واشنطن وحدها من تتخبط في “المستنقع”، فـ “اسرائيل” ايضا تسير باتجاه الحائط دون خطة، وقد عبر كبير كتاب صحيفة “يديعوت احرنوت الاسرائيلية” ناحوم برنياع عن المأزق الحالي بالقول” بعد ثلاثة أشهر من نذر الموت المتقطرة على رؤوسنا يومياً، مثل عذابات سيناء، كل ما يعدوننا به هو المزيد من الحرب.الثمن باهظ. والسؤال: إلى أين نسير. في 7 أكتوبر وقعت “إسرائيل” في حفرة عميقة. ومنذ ذاك اليوم ونحن واقفون في أسفل الحفرة، ونسأل الكثير: كم وقعنا، لماذا وقعنا؟ أين هو العدو الذي أوقعنا وكيف سنبيده، حتى آخر مخربيه؟ أسئلة مهمة وجيهة، لكن يبقى السؤال المهم كيف نخرج من الحفرة؟ فيما المؤتمنون على إدارة الحرب في “إسرائيل” لا يتوقفون عن الحفر! لقد خلق نتنياهو توقعات لا سبيل لتحقيقها، وبهذا فرض علينا حرباً لا نهاية لها. لعل الوقت حان للاعتراف بالفشل في غزة. ونحن لسنا جاهزين في هذه اللحظة ايضا لفتح جبهة في الشمال، لأننا متعلقون بأميركا”، يقول برنياع في ختام تعليقه.

 

في الخلاصة، هذه التعقيدات الجوهرية في اساس الطرح الاميركي والمأزق “الاسرائيلي”، يجعل من الحديث عن تسوية قريبة مجرد “وهم” غير واقعي، فلا اميركا ولا “اسرائيل” لديهما اجوبة حول “اليوم التالي” سواء في غزة او على الحدود اللبنانية، ولهذا فان ما يثير “هلع” خصوم حزب الله في الداخل انتهاء الحرب الحالية بانتصار لمحور المقاومة، وحينها لن يكون الحديث عن حتمية الرضوخ للتوازنات الداخلية الجديدة، بدءا من الانتخابات الرئاسية، مجرد قلق مشروع، وانما امر واقع اول من يعتقد بحتميته النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يسخر امام زواره من “قصر نظر القوات والكتائب” في هذه المرحلة الدقيقة، وهو ينصح الجميع بالتروي الى ان ينقشع “غبار” المعركة، التي تتجاوز في حجمها وتداعياتها كل الاطراف اللبنانية، ما عدا حزب الله الذي يعد لاعبا اساسيا فيها، وهو يعتقد ان نتائج الحرب ستفرض واقعا جديدا سيضطر الجميع للتعامل معه بواقعية، والرهان ايضا على عقلانية مفترضة لدى قيادة حزب الله!