Site icon IMLebanon

«عُقَد إستراتيجية» لا ينفع معها تدوير الزوايا

لا يوجد في الأفق ما يوحي بأنّ تأليف الحكومة العتيدة يقترب من محطته النهائية، وذلك على رغم كلّ محاولات شحنِ الجوّ العام بحُقَنِ الانفراجات النفسية. وخلال الأيام الأخيرة بات هناك نوع من اليقين لدى كلّ المحافل الداخلية والخارجية المواكبة للاستحقاق الحكومي، بأنّ «طبخة البحص» الحكومية تستمرّ في المراوحة، وأنه لم يعد هناك أيّ أفكار جديدة داخل «علب هدايا» وسطاء الخير المتبرّعين بالبحث عن إحداث اختراقات إيجابية.

وتلاحظ هذه المحافل أنّ العُقد الداخلية تتجذّر مع مرور الوقت، بدل أن يتمّ تفكيكها. وفي أوساط العهد، لم يعد ينظر الى العقدتين المسيحية والدرزية، بصفتهما عقدتين يمكن تدوير الزوايا في شأنهما، بل بصفتهما عقدتين يشكّل ثباتُ الموقف الحالي حيالهما جزءاً أساساً من استراتيجية النهج الرئاسي خلال الفترة المتبقّية من العهد العوني. وفي المقابل فإنّ المختارة ترى أنّ ثباتها على المطالبة بثلاث وزراء دروز هو أمر لا عودة عنه، لأنه يشكّل حقاً لها أفرزَته نتائج الانتخابات (95 في المئة من أصوات الدروز)، ويشكّل أيضاً جزءاً من استراتيجية المختارة لـ»تمكين» مرحلة توريث تيمور وليد جنبلاط الزعامة الدرزية.

والنقطة الأساس التي يثيرها العهد في مواجهة مطلب المختارة، تتمثّل في أنّ مطالبتها بالحصول على كلّ الحصة الوزارية الدرزية (ثلاث وزراء) تعني
أنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يطلب من العهد التسليم بإعطائه «ثلث معطل ميثاقي». وعلى هذا الأساس لا يمكن رئيس الجمهورية التعامل مع «الحصة الوزرارية الدرزية الكاملة» بمقياس حسابي، بمعنى «وزير لكلّ أربعة نواب»، أو بمقياس نِسَب توزع أصوات الناخبين في الطائفة الدرزية، بل المسؤولية الوطنية تقضي أن يتعامل معها بمعيار أنه لا يمكن العهد أن يسلّم المختارة وحدها «ورقة سحبِ الغطاء الميثاقي عن الحكومة» في أيّ لحظة يقرّر فيها جنبلاط لهذا السبب أو ذاك الخروجَ منها. وعلى الرغم من أنّ الثنائية الشيعية تملك ورقة الغطاء الميثاقي للحكومة، إلّا أنّ الحصّة الشيعية بكاملها ليست في يد «حزب الله» وحده أو في يد حركة «أمل» وحدها، بل يشترك الطرفان في تَوَزّعِها. وعليه، لا يمكن اعتبار حالة الثنائية الشيعية مثالاً يدعم مطلب جنبلاط نيلَ الحصةِ الوزراية الدرزية بكاملها.

من جهته، جنبلاط يُسفّه منطق العهد المصِرّ على توزيع الحصة الوزارية بين المختارة (وزيران) وطلال أرسلان (وزير) بغية صونِ الشرعية الميثاقية للحكومة. ويُنقل عن جنبلاط أنه ليس مسؤولاً عن معيار التوزير الذي نتجَ من قانون الانتخاب الجديد، فهو في الأساس كان معارضاً هذا القانون، ولكنّه وافقَ عليه بعد اتّهامه بأنه يعرقل مشروع تطوير قانون الانتخاب لأسباب تتصل برغبته في الحفاظ على امتيازه الطائفي، ولكن حينما يُطالِب اليوم بتطبيق معايير التوزير حسب قانون الانتخاب الجديد، يُتَّهم بأنه يريد الإمساك بورقة الشرعية الميثاقية للحكومة العتيدة.

وفي موازاة أنّ كلّاً من المختارة والعهد يعتبران أنّ «خلافهما التوزيري» يتصل بصونِ استراتيجيتيهما للمشروع السياسي لكلّ منهما في المرحلة الجديدة، وليس مجرّد خلاف سياسي عابر، تبرز أيضاً عقدةُ الخلاف المسيحي ـ المسيحي بصفتها عقدةً تُخبّئ داخل خيوطها المتداخلة «قطبة» النزاع الصامت على مستقبل الزعامة المسيحية ورئاسة الجمهورية المقبلة.

يوجد داخل بيئة الرئيس ميشال عون الرئاسية وأيضاً الحزبية، اتّجاه لم يؤيّد منذ البداية «تفاهم معراب»، وظلّ ينظر إليه على أنه مجرّد تفاهم موسمي انتخابي وليس سياسياً. وبعد الانتخابات كبرَت دائرة هذا الاتجاه لتبنّيه قراءةً لنتائج الانتخابات مفادُها أنّ نسبةً غيرَ قليلة من الأصوات الجديدة التي حصَلت عليها «القوات اللبنانية» إنّما ذهبت إليها من باب إحباط البيئات الشعبية المسيحية غير الحزبية التي كانت تؤيّد «التيار الوطني الحر» من العهد الذي كان مرَّ عامٌ عليه من دون أن يحقّق أيَّ نتائج. وهذا السلوك الانتخابي ما كان حصَل لو أنّ «القوات» لم تقدّم نفسَها في هذه الانتخابات، بصفتِها حليفةً للعهد، وليست ضدّه، ولكنّها تسعى إلى تفعيل أدائه على نحوٍ منتِج وشفاف. وفي رأي أصحاب هذا الاتجاه أنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع استفاد من «تفاهم معراب» ليجعل نفسَه مقبولاً في أوساط مسيحية مستقلة درَجت على عدم تأييده، وأنّه «ينبغي حالياً تصحيح هذا الخطأ المسمّى «تفاهم معراب» كونه يؤدّي إلى جعلِ الساحة المسيحية تنشطر إلى قسمين بين القوات والعونيين.