هي مأساة دون شك، تلك التي حصلت في أول أيام عيد الأضحى المبارك.
هي تدعو إلى الألم والأسف، وهي تدفع بالإتجاه الذي دفع يه المسؤولون في المملكة العربية السعودية، حيث سارعوا إلى معالجة ذيول المأساة الحاصلة بكل الحزم والتصميم ومن خلال تشكيل أربع لجان للبحث عن الحقيقة المجردة، وتحديد المسؤولية التي يتحملها في هذا النطاق المؤلم والمؤسف أولئك الموظفون، الإداريون والأمنيون الذين غفلت أعينهم وعقولهم عن تحديد المخاطر، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع حصولها. ويبدو أن هذه اللجان بدأت تلملم خيوطا تؤدي إلى كشف الحقائق وتحديد الجهة المسؤولة بين الخيوط الأولية المكتشفة التي تذكر في ضمن ما تذكره، أن جمهرة من الحجاج الإيرانيين، ومن بينهم السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن أبادي، كانت عنصراً أساسياً في حصول المأساة، حين دخلت بشكل مخالف لأنظمة التوجه والتمركز والخضوع إلى القواعد المعدة والمحددة للحجاج، فدخلت ذلك الشارع المنكوب، بما يخالف وجهة المسيرة الموضوعة وتوجيهاتها بهذا الخصوص، وكان أن توقفت في وسط الطريق الضيقة التي حصلت فيها المأساة، الأمر الذي أربك جموع الحجاج بين داخل إلى هذا الشارع وخارج منه، وكانت المأساة التي أسقطت مئات الضحايا من حجاج بيت الله الحرام. لا يعني ذلك أن الحجاج الإيرانيين المذكورين، هم وحدهم المسؤولون عما حدث، بل هناك أسباب كثيرة تواكب هذه المسؤولية الإيرانية، ومسؤولون تنظيميون وأمنيون كثيرون ، يشاركون في تحمل وزرها الخاضع لتحقيق اللجان الأربع وسيلقون حتماً، عقاباً شديداً وحازماً من السلطات السعودية التي أجمعت جهات عديدة على الإشادة بجهودها الحثيثة والهامة التي أدارت بها حجيج هذا العام، دون أن يعني ذلك أن التنظيم الحاصل لم يخل من نقاط ضعف مؤسفة، ساعدت في حصول المأساة، لنتوقف بعد ذلك أمام موقف إيراني، إستغل الحدث وأفاض في استغلاله، حيث سارع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى المطالبة بإجراء تحقيق في الحادث (وهذا ما بدأته السلطات السعودية بالفعل)، وحيث طالب آية الله علي خامنئي السعودية بالإعتذار عمّا حدث، وباعتماد إدارة إسلامية مشتركة للأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية ، ومع التفهم المبدئي «لغضب» المسؤولين الإيرانيين، إلاّ أنه جاء في إطار مسيّس وتضمّن أقوالا يغلب عليها التحاسب السياسي من خلال استغلال هذا الحادث المفجع الذي طاول عددا من الحجاج ليدلي بمطالب مخالفة للمنطق ولمبدأ القضاء والقدر وليدلي بمطالب تمس سيادة الدولة السعودية وكرامتها، متناسيا الماضي المؤسف لإيران في هذا الصدد حيث قام الألوف من حجاجها قبل بضعة أعوام بمظاهرة سياسية منظمة ومدفوعة من النظام الإيراني رافعة شعارات سياسية ومذهبية أدت إلى مصادمات كبرى ما بين الحجاج القادمين لأداء مناسك الحج المنزهة عن كل صغائر السياسة بكل استهدافاتها ومطامعها ومطامحها، الأمر الذي أدى إلى سقوط المئات بين قتلى وجرحى، مما جعل من الحج في ذلك العام، مساحة ملأتها الدماء والهتافات واليافطات المعدة مسبقا حافلة بالشعارت المغرضة والخروج الفاضح عن روح وقواعد مناسك الحج وأصولها وقواعدها وروحانيتها المجردة والمقدسة. وإلى أولئك المطالبين بتسليم إدارة الحج إلى الدول الإسلامية، نذكرهم بالتناقضات القائمة، ما بين تلك الدول في مواقعها العامة المتشرذمة ما بين السياسة والمذهبية والإنتماءات العقائدية التي تتجاهر في تصادماتها التي وصلت إلى حدود التقاتل والتذابح، الأمر الذي سيؤدي لو حصل إلى تصادمات غير مسبوقة وغير محمودة، في ساحات أداء شعائر الحج وهي في كل الأحوال مرذولة ومرفوضة، علما بأن السعودية تشبثت بحقها الطبيعي في إدارة شؤون الحج النابعة من أرضها والمتداخلة بصلاحياتها السيادية التي تقوم بها على أفضل وجه منذ أيام الملك عبد العزيز مرورا بأبنائه من الملوك وحتى هذا التاريخ.
كما نذّكر المشاكسين بالخلل الجزئي الذي صادف حصوله في هذه الأيام، مع الأسف الشديد بخلل أشد وأدهى، يطاول العرب والمسلمين في عدد من بلدانهم نتيجة لمدّ اليد الفارسية، غير المشروعة إلى عدد من البلدان العربية، مستغلة تناقضاتها والخلافات المشغولة التي تطاولها والتي وصلت إلى حدود إذكاء خلافات مذهبية لا وجود لها أصلا، على الأقل، بهذا الشكل المؤسف الذي تدهورت إليه ، بينما حقيقة الخلافات، أن هناك جنوحا إيرانيا نحو افتعال تلك الخلافات والأحداث استنباشها من قبور الماضي وتطورها إلى معضلات وجودية، بينما حقيقتها تتلخص بمطامع ومطامح فارسية ذات جذور إيديولوجية بعضها ناشيء ومتجذر في أعماق الفكر العقائدي الصفوي قبل ظهور الإسلام، ولا علاقة لها بالنهج الإسلامي العام المستند إلى المراجع الدينية الفقهية الأساسية وفي طليعتها القرآن الكريم.
أما وقد بدأت تظهر إلى الوجود، بدايات تفاهمات دولية كبرى، دفعت بالقوى المتناهضة والمتناقضة إلى الإتفاق على التهام الكيان العربي بأقصى ما يمكن من أجزائه ووجوده، وإلى تشريد أهله على الشكل الحاصل في هذه الأيام مع الشعب السوري الغارق في ما يمكن تسميته بعد الآن بالدياسبورا السورية، لا بد من دعوة أولى إلى الشعوب العربية لكي تستفيق من ظلمة أوضاعها وظلم الظالمين المتحكم بالعديد من أوطانها… ودعوة ثانية… إلى عالم الدول الكبرى التي لا تنفك عن إبداء تخوفها وارتعابها من تمدد التطرف الإسلامي وفي طليعته داعش.
لا بد من أن نكرر التذكير لتلك الدول بأنه ما كان لداعش هذه، أن تقوم لها قائمة، لولا ذلك الشعور لدى العرب والمسلمين بالتهميش والظلم والإقصاء والتشريد، وإن إيران التي تتظلم اليوم وتتباكى على ذلك الحادث المؤسف والمؤلم، هي صاحبة دور كبير في تجميع قوى الشر من تلك الأقليات الإسلامية المتطرفة التي شوّهت الدين الإسلامي وأدت إلى كل هذه الأضرار الحاصلة في هذه المنطقة من العالم والتي تتمدد شيئا فشيئا إلى خارج حدودها بما يثير كل هذه المخاوف والإرتعابات. لئن كانت الدماء قد سالت في الأراضي المقدسة بحادث يتجلبب برداء القضاء والقدر، مشفوعا بمسؤوليات فردية ساعدت على حصوله، فإن عمليات القتل العمد وجرائم الأسلحة والتأييد المباشر أرضا وجوا وبحرا، التي يتعزز بها النظام السوري اليوم من روسيا وقبل ذلك من إيران، هي المسؤولة عن كل ما نراه اليوم من عمليات الإبادة الجماعية وأذى البراميل المدمرة والغازات السامة، وردات فعل سيئة وبشعة على أفعال لا تقل عنها سوءا وبشاعة.