اكثر المناسبات التي تترك غصّة في صدور اللبنانيين، هي مناسبة حلول عيد الاستقلال، ولا رئيس في قصر بعبدا يجمع حوله مسؤولي الدولة والقيادات السياسية ووفود المجتمع اللبناني بجميع انواعه ورموزه، للاحتفال بتمسّك اللبنانيين باستقلالهم ودولتهم ومؤسساتهم ودستورهم بصرف النظر عن خلافاتهم السياسية واختلافاتهم حول الموقف الافضل في خدمة لبنان.
هذه الصورة التي غابت امس الاول في مناسبة مرور 72 عاماً على استقلال لبنان، أظهرت أمرين اثنين، يجب الاّ يغيبا يوماً عن ذاكرة اللبنانيين، الاول، مدى الأذيّة التي لحقت بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بسبب التعطيل العمد لانتخاب رئيس للجمهورية، والنتائج المدمّرة التي اصابت المواطنين بالسوء ذاته الذي أصاب المؤسسات الرسمية والادارات العامة، والقطاعات الخاصة، وصيغة العيش المشترك، والأمر الثاني المرتبط عضوياً بالأول، هذه المشاهد التي شهدتها ساحات قلب بيروت، بعدما تحوّلت الى حائط مبكى، «يفشّ» فيه كل صاحب حاجة خلقه، تعبيراً عن تعاسة اللبنانيين للفراغ القاتل في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، وما انتجه هذا الفراغ من اهمال مريب لتحرير الجنود الرهائن لدى «داعش» و«النصرة»، ولامبالاة فاجرة في أخذ الموقف الصارم حيال تنظيف لبنان من النفايات السامّة بأي ثمن، وتواطؤ مكشوف في وقف الهدر بأموال الناس، وتركهم تحت رحمة مافيات الكهرباء والماء والغلاء والفساد، والمخدرات وزراعة الممنوعات، والسلب والنهب وقتل الأبرياء من دون محاسبة احد، وكأن الذين ساهموا في ضرب الاستحقاقات الدستورية، من تمديد للمجلس النيابي، ولبعض الموظفين، وتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وتخاذل في القرارات والأمرة، واعتبار الدولة غير موجودة الاّ بالاسم، تعمّدوا اتخاذ هذه المواقف مخلخلة الدعائم التي يقوم عليها النظام والدولة، والوصول الى الحالة البائسة الحالية، حيث تطغى هموم الناس وحاجاتهم على أي مطلب آخر، ولذلك لم نسمع من الوفود التي امّت ساحة الشهداء، في مناسبة الاستقلال، سوى الأصوات المطالبة بالحقوق، ولم نسمع سوى صوت طلاب الكتائب وتجمّع «اللبنانيون الأحرار» الذين يطالبون بانتــخاب رئيس للجمهورية قبل اي مطلب آخر».
* * * *
من غير المعقول ولا المقبول، بعد تفجيري برج البراجنة وسقوط مئات الشهداء والجرحى، وبعد الاعمال الارهابية الدموية في باريس ومالي ونيجيريا وغيرها من الدول، وقتل وجرح المئات، وبعد التهديدات المباشرة من قبل تنظيم «داعش» لاستهداف عدد من الدول من بينها لبنان، وبعد الاخبار التي تضجّ بها الصحافة العربية واللبنانية، نقلاً عن مسؤولين لبنانيين، ان اعتداءات برج البراجنة ليست سوى البداية، وان هناك توصيات من مسؤولين امنيين لأصحاب مؤسسات تجارية بوجوب أخذ اقصى تدابير الحماية من تفتيش الأشخاص والسيارات، كما نصحت المؤسسات الدينية، المسيحية والاسلامية بتأمين حمايات جدّية للكنائس والمدارس والمجمّعات والبقاء على تواصل مع قوى الأمن.
بعد هذا كلّه هل مسموح وطنياً وانسانياً واخلاقياً، ان يبقى لبنان من دون رئيس جمهورية، ومن دون حكومة تحكم، ومجلس نيابي يجتمع ويراقب ويشرّع؟!
هل يعقل البقاء في مستنقع هذا الترف الشخصي القاتل، ولبنان يكاد ان يلفظ انفاسه؟