Site icon IMLebanon

هولاند الأمّ الحنون وعودة الإبن الضال.. لبنان

تلقيت اتصالاً من الإذاعة الجزائرية قبل يومين للتعليق على زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى لبنان. وافقت على إجراء المقابلة ليس بسبب حسن اطلاعي على هذه الزيارة بل من اجل الاستطلاع عنها من الاعلام الجزائري الشديد الاطلاع على الاعلام الفرنسي، لا سيما وانه لم يعترض متابعتي للإعلام اللبناني أي حديث عن زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان.

كيف نفهم هذه الزيارة عشية الجولة السابعة والثلاثين لعدم انتخاب رئيس للجمهورية؟ لا أعتقد أننا سنجد إجابة واحدة على هذا السؤال لأنّ لبنان مشتّت الوعي سياسياً بشكل تامّ، إن على مستوى الطبقة السياسية أو على مستوى المهتمّين بالسياسة من إعلاميّين ومحترفين سياسيّين. وقد يكون ذلك التشتّت هو الذي استدعى قدوم الرئيس الفرنسي لمعالجة عدم قدرة اللبنانيّين على تحديد مصلحة لبنان العليا.

يعرف الفرنسيّون السياسيّين اللبنانيّين فرداً فرداً، وعلى مدى عقود طوال سمعوا منهم الشيء ونقيضه، وعرفوا تقاطعاتهم العربية والإقليمية والدولية وكيف أنّهم تنقّلوا بينها، صداقةً وعداوةً حسب المصلحة أو البدل المادي أو السياسيّ، كما يعرفون أنّ معظم القوى السياسية اللبنانية تخاف الاستقرار الوطني لأنّها تعوّدت على العيش في الأزمات وتحت الوصاية أو الإنتداب.

يعرف الرئيس الفرنسي قصّة لبنان منذ ما قبل ولادته حتى الآن. أوَليست فرنسا هي الأمّ الحنون للبنان الإبن الضال الذي تخلّى عنها مرّات ومرّات منذ إعلان دولة لبنان الكبير وحتى الآن؟ وهي تعرف جيّداً أنّه لا يوجد في لبنان يمين أو يسار أو طوائفَ أو مذاهب، وأنّ الجميع يبحثون عن السلطة بما هي غنيمة للمحازبين والأبناء، ولا مانع لديهم من استخدام كلّ الوسائل لبلوغها أو الاحتفاظ بها، من الدين الى القتل أو الخيانة أو الإرتهان. السلطة هي المقدّس الوحيد للسياسيّين في لبنان.

يعرف الرئيس الفرنسي أنّ الطبقة السياسيّة اللبنانية تعرف أنّه تمّ توزيع إدارة الأزمات في المنطقة على الدول العظمى. فكانت سوريا من نصيب روسيا، وأميركا عادت الى العراق، والتحالف العربي يدير اليمن، أمّا لبنان فسيعود كالإبن الضال الى أحضان أمّنا الحنون «فرنسا فرنسوا هولاند». لذلك لن تكون مهمّته صعبة فالجميع عاجزون وفاشلون وغير قادرين على إدارة أنفسهم بأنفسهم، ويبحثون عن مخرج لائق لأنّهم أصبحوا خطراً على شعوبهم ومحيطهم والعالم أجمع، بما هم بؤرة من بؤر النزاع الدامي في المنطقة وإرهابه الذي طال باريس وبلجيكا وغيرهما.

يعرف الرئيس الفرنسي المرشّحين للرئاسة جيّداً، المعلنين وغير المعلنين. ويكفي أن يقول الرئيس الفرنسي نريد انتخاب رئيس فيتوقّف التعطيل ويبدأ البحث عن المرشّح الرئيس، إن لم يكن قد أصبح في التداول قبل مجيء هولاند الى لبنان لإعادة الاعتبار للقادة اللبنانيّين الذين فقدوا احترامهم لأنفسهم ولمواطنيهم عندما تركوا لبنان عامَيْن بدون رئيس للجمهورية وبدون جمهورية وبفساد ووقاحة.

إذا ثبت أنّ الرئيس فرنسوا هولاند سيزور لبنان قبل الثامن عشر من نيسان الحالي، فلا مانع من الافتراض أنّه يمكن انتخاب رئيس في الجلسة القادمة. وهذا منطقي إذا لاحظنا التسارع السياسي في سوريا وفي العراق، وكذلك جولة المفاوضات اليمنية في الكويت، ودخول الحكومة الليبية الى العاصمة طرابلس. فلا مانع من الإعتقاد أن يعود لبنان الابن  الضال الى أحضان أمّنا الحنون فرنسا ويُنتَخَب رئيس للبلاد.

أعرف أنّ تبسيط الأمور الى هذه الدرجة يبدو أمراً يشبه الكذب، ونحن نكتب هذا المقال في واحد نيسان أي اليوم العالمي للكذب. ولكنّ المنطق يقول أنّ كل القضايا المعقّدة تبدو بسيطة بعد حلّها، فاقتضى التوضيح.