IMLebanon

هولاند ــ حزب الله: الحوار المؤجل

بانقضاء زيارة الرئيس فرنسوا هولاند لبيروت لم يعد احد ممن شارك في الاستقبال او اللقاءات يتذكر منها شيئاً. أتى ليقول ان لبلاده اهتماما بلبنان لا يرقى الى مقدرتها على الحل. بيد انه لم يلتقِ مَن يضع المفتاح في القفل

لم تنزل زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لبيروت السبت والاحد المنصرمين في منزلة الصدمة ما دام لم يحمل معه مفاجأة، ما خلا ما شاع عن «هدية» 150 مليون يورو تمتد من اليوم الى ثلاث سنوات لمساعدة النازحين السوريين في لبنان. فإذا الزيارة اقل بكثير من التوقعات الضئيلة حتى.

الا ان ثمة تفصيلاً ناقصاً شابها لم يقل اهمية عن برنامجها، لم تتضح اسبابه تماماً هو غياب حزب الله عن الاستقبال واللقاءات والعشاء الذي جمع في قصر الصنوبر هولاند بالمسؤولين والقيادات اللبنانية. لم تكن في برنامج قصر الصنوبر لقاءات ثنائية، سرعان ما حصلت لمدد متفاوتة اتت بعد استمزاج بروتوكول السفارة في بيروت القيادات رغبتها في الاختلاء بالرئيس الفرنسي بعض الوقت. فالتقاهم تباعاً. كان الرئيس ميشال عون في المزاج الآخر من الزيارة، ولم يتعدَ حضوره اللياقة فحسب.

لكن غياب حزب الله ــــ او تغييبه ــــ ظل لغزاً، خصوصاً ان الحوار قائم بينه والسفارة في بيروت لسنوات خلت، وارتبط على الدوام بقناة النائب نواف الموسوي. خلافاً للاميركيين لم يقل الفرنسيون يوماً ان حزب الله منظمة ارهابية، ولا عملوا على محاربته ومقاطعته والتشهير به، وحاذروا كواشنطن سن قوانين تمنع الاتصال به والحوار معه، بل حملوا الاتحاد الاوروبي على تبني وجهة نظرهم بتمييز دوره السياسي عن نشاطه المسلح ــــ هو الذي لا يفصل احدهما عن الآخر ــــ وعدّوه باستمرار حزباً لبنانياً اساسياً مشاركاً في مجلس النواب والحكومة ومؤثراً في الاستقرار الداخلي. مع ذلك، منذ عام 2007، لم يرقَ هذا الحوار الى ابعد من القناة المألوفة بين محاوره والسفارة. عشية زيارة هولاند قال الفرنسيون في بيروت ان الحوار مع حزب الله لن يرقى الى الاتصال برئيس الجمهورية حتى اشعار آخر. كانت تلك اشارة مبكرة الى عدم توجيه دعوة اليه الى قصر الصنوبر للقاء محتمل مع الرئيس الفرنسي، اسوة بالمسؤولين والقيادات اللبنانية.

فضّل بروتوكول الاليزيه لقاء رؤساء الاحزاب بغية تجاهل حزب الله

قيل اولاً ان السفارة في بيروت وضعت صيغة بروتوكول زيارة هولاند وبرنامجها لحظت لقاء مع رؤساء الكتل النيابية، يفترض ايضاً حضور رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد. في وقت لاحق تسلمت السفارة صيغة بروتوكول اخرى مصدرها الاليزيه لم تلحظ لقاء رؤساء الكتل النيابية بل رؤساء الاحزاب السياسية، ما يعني ــــ بل يفترض حكماً ــــ تغيّب الحزب عن الحضور للاسباب التي تمنع امينه العام السيد حسن نصرالله، لدوافع امنية، من مغادرة مقره على غرار رؤساء الاحزاب الاخرى الافضل قدرة على التنقل.

رُجّح الخيار الثاني لذرائع شتى تطلبتها الدوائر المعنية في الاليزيه، ابرزها اثنتان:

اولاهما، تفادي إحراج من شأنه التأثير على العلاقات الفرنسية ــــ السعودية ينجم عن لقاء هولاند مع حزب تبصره الرياض منظمة ارهابية وتدعو الى مواجهته، ولم يكن انقضى وقت طويل على تصنيفه في المملكة، كما في دول مجلس التعاون الخليجي مروراً بالجامعة العربية وصولاً الى «منظمة التعاون الاسلامي» في اسطنبول ساعات قليلة قبل هبوط هولاند في بيروت. وقد لا يمسي من الطبيعي تعهد هولاند للمسؤولين اللبنانيين كالرئيسين نبيه بري وتمام سلام ثم في قصر الصنوبر لقائد الجيش العماد جان قهوجي مفاتحة السعودية بالافراج مجدداً عن هبة المليارات الثلاثة لتسليح الجيش اللبناني، بعد ان يكون اجتمع بممثلي مَن تتهمه بالارهاب.

ثانيهما، ان الرئيس الفرنسي كان يأمل في ان يصدر عن حزب الله موقف جديد حيال انتخابات رئاسة الجمهورية يساعد على اخراجها من مأزق الشغور، ما يعني ايضاً تخليه عن ترشيح عون. ومع انها تفادت الى اليوم اتهام الحزب بتعطيل الاستحقاق الرئاسي شأن ما يفعل افرقاء لبنانيون ودول اقليمية ودولية، ونظرت دائماً الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح على انه هو العقبة الفعلية التي تحول ــــ بإصراره على ترشحه ــــ دون انتخاب الرئيس، الا ان باريس تعوّل على اختبار موقف جديد ومختلف يتخذه حزب الله حيال حليفه. الامر الذي بدّدته تماماً زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني للعاصمة الفرنسية في كانون الثاني الفائت.

يومذاك سمع من هولاند طلباً بممارسة ضغوط على حزب الله لاطلاق الرئاسة اللبنانية، فأجيب برد مخيّب هو ان طهران لا تتدخل في شأن لبناني، ولا تضغط على الحزب، بل دعا الى محاورته والاتفاق معه. اضحت باريس اكثر يقيناً بأن حزب الله لا يتخلى عن عون لاسباب لا تقتصر على دعم ترشيحه للرئاسة اللبنانية فحسب، بل ايضاً تمسكاً بالمظلة المسيحية التي يمنحها له في مرحلة يجد حزب الله نفسه في مستنقع نزاعات مذهبية سنية ــــ شيعية في المنطقة ولبنان، ومحوط بأعداء وخصوم في كل اتجاه.