يرتدي الإتصال الهاتفي الذي تلقّاه النائب سليمان فرنجية بالأمس من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، طابع التكريس الغربي لوصول فرنجية إلى موقع رئاسة الجمهورية، وهو أتى بعد ما يشبه التحذير والنصيحة السعودية الصريحة للقوى المسيحية، والمعارضة بشكل خاص، بعدم الوقوف في وجه التسوية، وهو ما وصفته مصادر وزارية مطّلعة، بالتركيز الدولي والإقليمي على وجوب مراعاة الأجواء الخارجية والمحلية المؤاتية لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد، قبل أن تدخل الساحة المحلية في المجهول. وتقول هذه المصادر، أن التسوية الرئاسية التي انطلقت من عواصم القرار الغربية قبل الإقليمية، قد بدأت منذ أشهر وليس فقط مع اللقاء الباريسي الذي جمع الرئيس سعد الحريري بالنائب فرنجية، وبالتالي، وبعد نضوج الظروف الغربية والإقليمية، آن أوان إنضاج الظروف الداخلية من خلال القيادات في 8 و 14 آذار، وعبر رعاية مباشرة من القوى الوسطية، وذلك مع تحاشي أي إجراء أو موقف يؤدي إلى إجهاض الطبخة الرئاسية من خلال حرق المراحل الذي رفضه في الدرجة الأولى النائب فرنجية. واعتبرت المصادر نفسها، أن حرصاً كبيراً قد برز لدى المرشّح الرئاسي على عدم قطع الجسور مع أي جهة سياسية، وعلى اعتماد سياسة اليد الممدودة لكل الأطراف، وذلك من منطلق وطني توافق عليه مع الرئيس الحريري، رغم كل القراءات السلبية التي سُجّلت منذ بداية الحراك بين الرجلين للإفادة من الفرصة السانحة لإنقاذ الإستحقاق الرئاسي وإنقاذ لبنان من الفوضى.
وفي تقدير المصادر الوزارية المطّلعة، أن الدينامية السياسية التي أطلقها لقاء باريس، ما زالت مستمرة في العاصمة الفرنسية تحديداً، كما في بيروت، وذلك من خلال دخول شخصيات ديبلوماسية على خط الإتصالات لتفكيك العقد التي تحول دون تحويل التسوية الرئاسية إلى تسوية شاملة تقترب من «سلّة» الإتفاق التي كان طرحها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله. وكشفت أن طابع السرّية الشديد الذي طغى على الحوار غير المباشر بين الرئيس الحريري والقيادات الأساسية في 8 آذار، قد أثمر عملية انتقال هادئة من حال الإصطفاف المذهبي إلى مناخ توافقي، تغيّرت فيه التكتّلات والتحالفات بعدما ابتعدت القوى السياسية عن الإنقسامات السابقة، فاخترقت رياح التسوية كل المتاريس التي كانت مرفوعة على الساحة الداخلية.
من هنا، فإن انتقال رئيس تيار «المردة» من الحديث عن أجواء جدّية للتسوية إلى التأكيد على وجوب إلغاء الإصطفافات بين 8 و 14 آذار والإنتقال إلى تكوين تحالف وطني جامع يؤمّن الخروج من المأزق السياسي الراهن، قد شكّل، وبحسب المصادر نفسها، «الضوء الأخضر» للعدّ العكسي للأجواء الإيجابية المقبلة. وتوقّعت المصادر، أن تنسحب هذه الأجواء على أكثر من موقع سياسي وحزبي سبق وأن أبدى حذراً من السرعة التي تسير فيها المبادرة الرئاسية، ودعا إلى دراستها بشكل معمّق. وخلصت المصادر الوزارية ذاتها، إلى التأكيد على الدور المحوري لبكركي في الأيام القليلة المقبلة في ضوء تسارع الحراك السياسي فيها منذ الساعات الأولى على وصول البطريرك بشارة الراعي إلى بيروت، مشيرة إلى أن الخطاب الرسمي الذي ستعتمده بكركي في هذه المرحلة هو الذي سيحدّد المسار النهائي والحاسم للإستحقاق الرئاسي.