بدت مواقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في لبنان مطابقة تماماً للطريقة التي حصلت فيها زيارته. خاطفة ليس الا. اشبه برسائل برقية في كل اتجاه، دونما حصر الملامة بفريق دون آخر. اللبنانيون جميعاً ضالعون في التقصير
في ساحة النجمة أمل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، السبت امام الرئيس نبيه بري، في ان يعود الى لبنان قريباً وثمة رئيس للجمهورية في هذا البلد.
زيارته الثانية شأن التي سبقتها في الاشهر الاولى من ولايته (4 تشرين الثاني 2012) مررها في جولة عربية، قد تكون الاخيرة له ربما في ولايته التي تنتهي في ايار 2017، من دون ان يكون مؤكداً تمكنه من الفوز بولاية ثانية، او انه سيكون للبنان رئيس قبل ذلك الوقت كي يحضر للمرة الثالثة ايضاً على عجل. لم تزد زيارة 2012 عن ثلاث ساعات صباحية، وبالكاد اكملت زيارة 2016 دورة نهار كامل صحيح.
لعل آخر ما قاله الرئيس الفرنسي في ختام زيارة الساعات الـ24 هو اكثر تعبيراً عن مغزى ما استنتجه، عندما قال ان مرشحه لانتخابات الرئاسة هو لبنان. عبارة مختصرة تنطوي على احباط صريح. لم يلمس محدثوه في الخلوات والجلسات المغلقة كلاماً مختلفاً عما اعاد تكرار معظمه في اللقاءات المفتوحة التي تفشى فيها الاسرار.
اما ما افضت اليه زيارة هولاند، فتكمن في بعض ما ردده امام محدثيه المسؤولين والمراجع الدينية والقيادات السياسية، ومنه:
1 ــــ من دون الخوض في الاسماء والمرشحين، شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية «من ضمن العناصر المتوافرة»، او العثور على حل آخر مما هو «بين ايدي اللبنانيين». لم يُشعر محدثيه بأي ايحاء الى مرشح محدد، ولا لمح ــــ وان مواربة ــــ الى أن باريس تبحث عن مرشح او تعنى بأحد ما.
2 ــــ اكثر من مرة سأل عن الاسباب التي تحول دون انتخاب الرئيس والعقبات الفعلية المانعة قيام مجلس النواب بدوره، و«كيف السبيل الى الخروج من هذا الانسداد؟».
3 ــــ ركز على ان الوقت لا يحل المشكلة، ويقتضي تبعاً لذلك عدم الرهان عليه، كونه يتحوّل الى عامل سلبي ومؤذ للبنان.
هولاند لمحاوريه: الوقت لا يحل المشكلة، بل يتحول عاملاً سلبياً
4 ــــ سلّم امام محدثيه بوجود عامل خارجي يؤثر في تعطيل انتخاب الرئيس، قائلاً في الوقت نفسه ان باريس تبذل ما في وسعها لدى ايران والسعودية وروسيا والولايات المتحدة، و«مستعدة لمخاطبة كل مَن يقترحه عليها اللبنانيون اذا كان قادراً على المساعدة». اضاف ان الاتحاد الاوروبي يشاركها في هذا الموقف، ولا يتردد بدوره في مساعيه في الاتجاه نفسه. قال ايضاً ان للاميركيين والبريطانيين شعوراً مماثلاً ووعياً لهذه المشكلة. بيد ان ذلك لا يحجب وجود «تقصير لبناني» بالتردد في انتخاب الرئيس.
5 ــــ لفت الرئيس الفرنسي المسؤولين والقيادات الى ان ليس للبنان ان ينتظر تطورات المنطقة كي يحدد خياراته وينتخب رئيسه. بكثير من الكلام المبطن، الملطف، تفادى فيه الظهور بمظهر المتدخل في شأن داخلي، ردّد عبارة لم تخفِ تأنيباً وتوبيخاً للسياسيين اللبنانيين بقوله: «مع الأخذ في الحسبان عوامل التأثير الخارجي الذي نحاول ايجاد حل له، ثمة تقصير من عندكم انتم. الرأي السائد أن التقصير هنا».
على ان نتائج الزيارة لم تقتصر على ما ادلى به فحسب، بل اخفت ملاحظتين اضافيتين ايضاً:
ــــ لأنه لم يأت بمبادرة او افكار واقتراحات محددة، تفادى الرئيس الفرنسي التصرّف كما لو انه آتٍ لاخراج اللبنانيين من مأزقهم، او يحمل اليهم اي حل. لذا تحدث عن دور فرنسا على انها عامل مفيد ومساعد، لا تستطيع بالضرورة حل المشكلة، الا ان في وسعها بذل اقصى ما يمكنها القيام به.
وبحسب ما استخلصه محدثوه، عكس انطباعاً بأهمية الزيارة في ذاتها اذ تعيد تأكيد اهتمام بلاده بلبنان وحرصها على استقراره واستمرار عمل مؤسساته الدستورية، من دون ان تظهر في المقابل انها تقتطع من دور سواها، او تريد الحلول مكان اي آخر معني بما يجري في لبنان. الا انها هي ايضاً دولة معنية ومؤثرة تبعاً للعلاقات التاريخية التي تربطها بهذا البلد. الامر الذي حمل هولاند على ابلاغ محاوريه ان الخارجية الفرنسية ستدعو نظراءها في «مجموعة الدعم الدولية للبنان» الى الاجتماع الشهر المقبل للبحث في المهمة المنوطة بالمجموعة على صعيدي دعم الجيش والاقتصاد، تعويض الشغور الرئاسي الذي لا يجد طريقاً الى الحل.
ــــ خلافاً لسلفه الرئيس نيكولا ساركوزي الذي استبق شغور 2007 بوساطة تنقلت بين ايدي مستشاريه الرئيسيين جان دافيد ليفيت وكلود غيان، ثم مع سفيره المتجول في المنطقة جان كلود كوسران، الى دوري السفير في بيروت برنار ايمييه والسكرتير الاول اندره باران في الشهر الذي سبق الشغور ثم تلاه خصوصاً، أتى تحرّك هولاند متأخراً في استحقاق 2014. باشره في مرحلة لاحقة لتعذر انتخاب الرئيس وانقضاء شهور على الشغور، وقصره على رئيس دائرة في الكي دورسيه هو السفير فرنسوا جيرو متنقلاً بين طهران والرياض والفاتيكان بلا اقتراحات او آليات حل على غرار وسطاء 2007. لم تفضِ وساطة ساركوزي حينذاك الى افضل مما وصلت اليه وساطة هولاند مع اخفاق جهوده. ما ابرز في ضوء تجربة الاستحقاقين المتتاليين اعتقاداً راسخاً ان فرنسا، لزمن طويل انقضى، لم تعد اللاعب الرئيسي في لبنان.