ترجح معلومات تتداولها مصادر سياسية أن زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان، والتي كان أعلن عن اعتزامه القيام بها بعد مشاركته في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، لن تتأخر فحسب، بل ان احتمالات إلغائها باتت هي الأقوى، إذا استمر الوضع على ما هو من المراوحة السياسية، على رغم رواج ترجيح إرجائها من الأسبوع الأخير من تشرين الأول الى تشرين الثاني، في ضوء زيارة محتملة للرئيس الإيراني حسن روحاني لباريس، الأمر الذي قد يتيح للرئيس الفرنسي أن يحمل اجوبة في ما خص إمكان ان تساهم إيران إيجاباً في حلحلة الموضوع الرئاسي في لبنان ام لا. ولكن مع انطلاق الحديث عن الموضوع السوري على نطاق دولي واسع وامكان البحث في حلول محتملة، فد يستمر ملف الرئاسة اللبنانية مستبعداً الى أجل غير محدد، في انتظار ما ستسفر عنه الإتصالات الدولية والإقليمية حول سوريا، بما يعني ان زيارة روحاني قد لا تتيح لجهود الرئيس الفرنسي في ما خص لبنان فرصة النجاح. ومع ان اجواء اللقاء الذي عقد بين الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة تمام سلام على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة أبقت احتمال الزيارة واردا، فإن المعلومات المتوافرة لدى مصادر سياسية لا تجزم بذلك، بل على العكس. وفي أي حال، تفيد معلومات ديبلوماسية ان ثمة نصائح كثيرة تلقتها الرئاسة، كما الديبلوماسية الفرنسية، مباشرة أو عبر استطلاع مباشر أو غير مباشر أجرته لدى زعماء وسياسيين لبنانيين تبين بنتيجته انه لم يكن هناك تشجيع ملموس لحصول الزيارة في الظروف الراهنة، أي ما دام تعطيل انتخابات الرئاسة للموقع المسيحي الأول قائما، باعتبار أن ثمة محاذير لزيارة يقوم بها الرئيس الفرنسي للبنان في ظل شغور موقع الرئاسة الأولى.
هذه النصائح بنيت على جملة عناصر، من بينها ان هولاند نفسه حين زار لبنان في تشرين الثاني 2012، إنما خص رئاسة الجمهورية وحدها بهذه الزيارة، والتقى الرئيس ميشال سليمان في قصر بعبدا، ولم يلتق في تلك الزيارة التي اقتصرت على بضع ساعات قبل توجهه الى المملكة العربية السعودية، لا رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي. بل انه عمد الى استقبال ميقاتي بعد 15 يوماً تقريباً على زيارته للبنان، في قصر الإليزيه، في اشارة ربما الى حرص فرنسا على مراعاة التركيبة اللبنانية الحساسة. ويرى سياسيون كثر ان سعي الرئاسة الفرنسية الى تعويض لقاء رئاسي لشغور موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية بلقاءات قد تشمل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وابرز زعماء الطائفة المارونية، لا يشكل الرد المناسب الذي ينبغي لفرنسا بالذات اعتماده بديلاً من التعامل مع الشغور الرئاسي. فعلى أهمية هذه اللقاءات وما يمكن ان تحمله، فإن انعكاساتها قد تكون سلبية على هيبة الرئاسة الفرنسية التي سيبرز عجزها عندئذ عن التأثير أو الضغط على الأفرقاء أو الزعماء المسيحيين من اجل الإتفاق على ملء الشغور في الرئاسة الأولى، في الوقت الذي كان لفرنسا دوماً دالتها على المسيحيين في شكل خاص. فهل يمكن أن يأتي الرئيس الفرنسي الى لبنان ولا يحمل في جعبته أي مبادرة أو اقتراح لمعالجة الشغور الرئاسي؟ أو هل يمكن ان يمر على الموضوع الرئاسي مرور الكرام، فيعلن بعد كل لقاء ضرورة ان يتفق اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد من دون الخوض في التفاصيل؟ وهل ستكون لزيارته أي نتائج ملموسة نتيجة مناقشته موضوع الرئاسة، في حال كان ذلك على جدول اعماله، أو انه سيخرج خالي الوفاض، علماً ان التنسيق القائم بين فرنسا والفاتيكان ينبغي ان يتيح للرئاسة الفرنسية في ضوء الزيارة الأخيرة للكاردينال دومينيك مومبرتي لبيروت معرفة عقم المحاولة مع الزعماء المسيحيين لإقناعهم بالإتفاق على التنازل من اجل اولوية الرئاسة إذا كان الأمر لا يزال منوطاً بهم بعض الشيء، وليس بإيران مثلاً على ما هي الحال؟
ولا ينفي سياسيون ان لبنان في حاجة الى زيارة على مستوى الرئيس الفرنسي، تظهر اهتماماً بالبلد، فتخرجه بعض الشيء من مستنقع ازماته وتعيده الى خريطة الاهتمام والمتابعة، على رغم ان عنوان زيارة هولاند وفق ما اعلنه في مؤتمره الصحافي الذي عقده في الإليزيه هو موضوع اللاجئين السوريين. لكن الزيارة لا يمكن ان تكون عابرة كما كانت زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للبنان قبل اسابيع قليلة، للاطلاع أيضاً على أوضاع اللاجئين عن كثب والإكتفاء بلقاء رئيس الحكومة فحسب، في محور يتركز على هذا الموضوع في الدرجة الأولى، على رغم المعاناة الكبيرة للبنان بسبب اللاجئين وتحملهم المسؤوليات الجسام وتبعات الحرب الأهلية السورية. لكن اذا كانت الزيارة ستقتصر على ذلك، أي الاطلاع على ملف اللاجئين، فيمكن رئيس الحكومة الفرنسية القيام بذلك كما فعل نظيره البريطاني، بدلاً من ان يتكبّد الرئيس الفرنسي عناء زيارة يضطر فيها الى فتح ملفات لا يمكنه تجاهلها، من موقعه الرئاسي أولاً ومن موقع فرنسا بالذات ومسؤوليتها المعنوية حيال لبنان ثانيا.