يعتزم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند زيارة لبنان في السادس عشر من شهر نيسان الحالي (قد يتم تأجيل الموعد) قبل يومين من تاريخ دعوة مجلس النواب اللبناني الى انتخاب رئيس للجمهورية للمرة الثامنة والثلاثين. ويشكل انتقاء الموعد بالنسبة الى المعطى اللبناني رمزية واضحة لجهة قيام رئيس فرنسا، بالرغم من نصائح وجهت اليه بالتأجيل ما دام منصب رئيس الجمهورية شاغرا في لبنان. وفي المقابل كانت هناك مقاربة مؤداها أن رئيس فرنسا التي تتمتع بعلاقات مميزة وتاريخية خاصة بلبنان، لا يمتنع عن زيارة بلاد الأرز، أيا تكن الظروف المانعة، لأن علاقات فرنسا بلبنان أعلى شأنا من المسألة البروتوكولية القاضية بوجود نظير للرئيس الفرنسي في استقباله في بيروت.
إذا، يزور الرئيس الفرنسي لبنان في ظل شغور الكرسي الرئاسي، لتثبيت فكرة أن فرنسا تتعامل مع لبنان بأسره رسميا وشعبيا، بصرف النظر عن مشاكله. ويعتبر الفرنسيون أن الأزمة الكبيرة التي تلف العلاقات اللبنانية بدول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، لا يمكن أن تترك في مهب رياح التصعيد، من دون أن تحاول فرنسا، بعلاقاتها الخاصة مع لبنان من جهة، ومع دول الخليج من جهة ثانية، ترميمها، وخصوصا أن باريس كانت ولا تزال طرفا في معادلة الهبة السعودية للجيش اللبناني. ومعلوم أن المسؤولين الفرنسيين حاولوا أن يثنوا القيادة السعودية عن قرار تجميد الهبة، ولم ينجحوا الى الآن. ومجيء هولاند في هذا الوقت بالذات يؤشر لرغبة فرنسية في مواصلة دعم الجيش اللبناني، فضلا عن رسالة الى الاطراف اللبنانيين بضرورة الاسراع في إنهاء الشغور الرئاسي.
بالطبع يعرف هولاند ان تعطيل الاستحقاق الرئاسي له أب شرعي واحد، هو “حزب الله”، واستطرادا القيادة الايرانية للحزب التي تتبع مباشرة لمرشد الثورة السيد علي خامنئي. فقد حاول الفرنسيون أكثر من مرة مفاتحة نظرائهم الايرانيين على مستوى الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، في مسألة استحقاق الرئاسية اللبناني، ووجهوا بجواب موحد يحتمل تأويلا، بأن “ايران تدعم ما يقرره الشعب اللبناني”! وفي اتصالات جانبية غير رسمية، جرى إفهام الفرنسيين ان ملف لبنان ليس بيد الرئيس روحاني وفريقه في الحكومة الايرانية. وان المرشد وحده يمتلك القرار. وبهذا المعنى ادرك الفرنسيون ان روحاني وفريقه لا يمتلكان اكثر من خطاب خشبي حول لبنان وساحات عربية اخرى مثل سوريا، والعراق، واليمن! هذه الساحات حكر على المرشد و ماكينة “الحرس الثوري”. و”حزب الله” الممسك بورقة التعطيل الرئاسي في لبنان، جزء من هذه الماكينة حتى لو امتلك بعض هوامش قرار مستقل! جهات دولية عدة نصحت الفرنسيين بالتحدث مع الجهة الصالحة في ايران. جهات اخرى نصحتها في المقابل بعدم استعجال الامور، وترك الوضع الايراني الداخلي “يختمر” على خلفية تعاظم الخلافات بين تيارين كبيرين ( خامنئي و رفسنجاني – روحاني ) مع ما سيستتبع ذلك من تحولات في السياسة الايرانية الاقليمية، ولبنان ومصير “حزب الله” جزء اساسي منها!