لبنان على موعد مع زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي تُعدّ زيارة تاريخية وإستثنائية، علما أنه سبق للرئيس الفرنسي أن زار لبنان في بداية عهده الرئاسي. وتكمن ميزة هذه الزيارة في إصرار الرئيس هولاند على القيام بها على الرغم من الشغور الرئاسي، ما يعكس عمق العلاقات التي تربط بين فرنسا ولبنان، وقدرتها على التواصل مع كافة الاطراف اللبنانيين مما يعطي أملا بإمكانية أن تحرك هذه الزيارة سكون الساحة الداخلية المقفل على أزمات الفراغ الرئاسي والشلل النيابي والحكومي والركود الاقتصادي.
قد تكون المفارقة أن كافة الاطراف الداخلية تشكو من حالة الشل الرئاسي وتردداته على كافة أشكال الحياة السياسية في لبنان، وتدعو إلى إيجاد حل له والاسراع في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وإن إختلفت الترجمة الفعلية للوصول إلى هذه «الرغبة الرئاسية»، فهل يمكن أن تكون هذه الزيارة بداية الخروج من النفق الذي تحدث عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أو أنها لن تتمكن من خرق جدار الازمة السميك والذي يهدد بإنهيار الدولة، بسبب الارتباطات الاقليمية للفرقاء المستنكفين عن النزول إلى المجلس النيابي والاقتراع لإنتخاب رئيس؟
لا شك أن هذه الزيارة ستحرك الحياة السياسية اللبنانية، لذلك لا بد من الاضاءة على أهميتها وتحديد المفاصل السياسية التي يمكن أن تحركها في الجسم السياسي اللبناني «المكربج»، نتيجة إيجابية العلاقة بين فرنسا ومختلف الاطياف السياسية اللبنانية، وفي هذا الاطار يقول وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية نبيل دي فريج لـ«المستقبل» ان «أهمية زيارة الرئيس هولاند إلى لبنان تكمن في أن فرنسا هي دولة كبرى لها مكانتها على الساحة الدولية، وبالتالي فالزيارة هي لتأكيد الثوابت الفرنسية تجاه لبنان والتي لم تتغير سواء أكان الرئيس الفرنسي يمينيا أو يساريا، وإستعدادهم لدعم لبنان مهما كانت الاوضاع».
ويوافقه الرأي وزير الاعلام رمزي جريج الذي يؤكد ان فرنسا هي دولة صديقة تقليدية للبنان وداعمة له كوطن ودولة بكل مكوناته، وهي تسعى لرفع الضرر عنه الناتج عن الشغور ولذلك هي طالما كررت المطالبة بإنتخاب رئيس لإنتظام عمل المؤسسات من دون أن تكون مؤيدة لمرشح معين».
ويصف وزير الثقافة روني عريجي زيارة هولاند بأنها «مهمة»، ويشرح ذلك بالقول ان «فرنسا دولة كبرى على الساحة الدولية ولها حضور في الشرق الاوسط ولها صلات سياسية وتاريخية مع لبنان، على أمل أن تنعكس هذه الزيارة إيجابا على لبنان، وأن تساهم في تحريك الركود الداخلي وهذا ما سيظهر خلال برنامج لقاءات الرئيس».
ويرحب وزير الاشغال العامة غازي زعيتر بالزيارة «على إعتبار أن علاقات وثيقة تربط بين البلدين»، ويشير الى «أنها يمكن أن تكون مفيدة على صعيد تفعيل الدعم الدولي للبنان في ملف النازحين، خصوصا أن هذه التقديمات الدولية للبنان في هذا الملف لا تزال دون المستوى المطلوب«، لكنه يرى أن على «اللبنانيين عدم الإنتظار لدفعنا لإنتخاب رئيس للجمهورية فهذه المهمة هي من واجبات النواب أنفسهم، وإن كنا ننظر بإيجابية لكل الدعوات التي تحثنا على إنتخاب رئيس وإنهاء الازمة».
يوافق عضو تكتل «التغيير والاصلاح« النائب حكمت ديب على كلام زعيتر، ويوضح انه لا يعتقد «أن هناك خطة في جعبة الرئيس الفرنسي في ما خص الرئاسة الاولى، وهذا ما إستنتجناه من التصريحات التي سبقت الزيارة، وبذلك تبدو فرنسا وكأنها مستقيلة من دورها التاريخي تجاه لبنان، لكنها بالتأكيد ستشكل دعما للكيان اللبناني بشكل عام ولإستقراره في الاخطار المحيطة به في المنطقة ولجيشه وهذا أمر جيد».
يتشارك عضو كتلة «القوات« النائب فادي كرم مع ديب، في أن «زيارة هولاند لن تحمل جديدا على صعيد الرئاسة«، ويقول: «صحيح أننا نضع الزيارة في المنحى الايجابي لتحريك الدعم الدولي للبنان ضد الارهاب وتثبيت الاستقرار الداخلي وهذا ما ينعش بشكل أو بآخر الواقع السياسي المشلول في لبنان، لكن الزيارة لن يكون لها أثر على صعيد الدفع بإنتخاب رئيس، لأن إيران هي القابضة على هذا الاستحقاق ولن تفرج عنه إلا على طاولة المفاوضات الاقليمية الكبيرة لتقبض ثمنه، لأن المستفيد الوحيد من الفراغ الرئاسي هو حزب الله وإيران».
على ضفة دي فريج وجريج، فهما يشددان على مردود الزيارة على لبنان ككيان في ظل الأوضاع الإقيلمية المحيطة به، إذ يلفت جريج إلى أن «فرنسا تعلم العبء الكبير الذي يرزح تحته لبنان بسبب النزوح السوري، وهي تريد مساعدته في تحمل هذه الاعباء، كما أنها على علاقة جيدة مع كل المكونات السياسية في لبنان ويمكنها التواصل معهم حول الملفات الداخلية لأنهم يعرفون أن إهتمامها بلبنان بعيد عن المصالح الخاصة، بل من منطلق عاطفي هدفه الحفاظ على الكيان مما يجعلها على مسافة واحدة من الجميع، وبذلك يكون إصغاء الفرقاء اللبنانيين إلى خطاب هولاند مناسبة مهمة للاسترشاد به في المرحلة المقبلة».
ويوافق دي فريج على كلام جريج ويقول:» كلام هولاند سيكون موجها إلى دولة لبنان ولدعم مؤسساته الشرعية ومنها رئاسة الجمهورية، ولن يدخل في التفاصيل بل بضرورة حماية مؤسسات الدولة سواء الرئاسة الأولى أم مجلس النواب أم الحكومة، لذلك أعتقد أنه لن يكون للزيارة نتيجة مباشرة على إنتخاب رئيس لكنها قد تساهم في إعادة تحريك هذا الملف مجددا».