الزيارة الثانية تكريس لديغولية سياسة فرنسا في مؤازرتها لبنان
هولاند يعتزم تثمير الزخم المتوقع في نيويورك لإحتواء النزوح والدفع لإنتخاب رئيس
منذ تشرين 2 من العام 2012 اعلن هولاند انه يدخل الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية
في 27 تموز 1941، قال شارل ديغول عشية زيارته بيروت: «في قلب كل فرنسي جدير بهذا الاسم، تَهفُّ نبضة خاصة ما إن يسمع بإسم لبنان». من يومها خطّت باريس ما بات يعرف بالسياسة الديغولية تجاه لبنان، وهي سياسة اتبعها الرؤساء الديغوليون بالقدر نفسه للرؤساء الاشتراكيين، وخصوصا الرئيس الراحل فرنسوا ميتران.
في 8 أيلول 2015، ردد فرنسوا هولاند ما يشبه في الجوهر كلام ديغول بإعلانه امام رئيس اساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر انه سيزور لبنان قريبا، «لأشهد على تضامني مع الشعب اللبناني الذي يواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية، وسأكون سعيدا في اللقاء بك هناك. ولدينا علاقات مع الكنيسة المارونية فهي جزء من تراثنا، وهي في قسم كبير منها سبب قربنا من لبنان والعالم العربي».
عشية انهيار الإمبراطورية العثمانية، سارعت فرنسا الى عقد اتفاق سايكس ـ بيكو مع بريطانيا، في مسعى لملء الفراغ السياسي الذي سيتركه هذا الانهيار على الدول التي كانت تحت الاحتلال العثماني. وسعت في الوقت عينه الى حماية الخصوصية اللبنانية من منظاري مصالحها في المنطقة، كون لبنان البلد الفرنكوفوني الوحيد في الشرق، وعلاقتها مع موارنة لبنان منذ ملكية لويس السادس عشر، واستطرادا مع مختلف النخب اللبنانية.
استمرت السياسة الفرنسية حيال لبنان على هذا المنوال، مع بعض التذبذب، رغم الكثير من التقلبات في المصالح والتموضعات والتحالفات.
سعى فرنسوا هولاند عند توليه الرئاسة الى تثمير علاقاته الوطيدة – السابقة لرئاسته- مع افرقاء لبنانيين، مظهرا التزاما بتاريخ العلاقات الثنائية، حتى أُخذ عليه في بعض الاوساط، وهو الاشتراكي، انه ينتهج الديغولية بدعمه لبنان واعلانه صراحة انه ينتهج «سياسة سبقتني تقوم على تقديم أي دعم للدولة اللبنانية بكل مؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية»، علما ان السياسة الفرنسية ازاء لبنان زمن ميتران لم تكن اقل التزاما من عهد هولاند.
لا ريب ان المحرك الرئيس للسياسة الفرنسية الراهنة هو الخشية من ان تنتقل الشرارة السورية الى لبنان، لذا كان الاستقرار هو الكلمة – المفتاح في مقاربة باريس للمسألة اللبنانية. ولئن تأثر الاستقرار السياسي بالتأخير في انتخاب رئيس للجمهورية، بقي الاستقرار الامني، والاستقرار الاقتصادي بدرجة أقل، الهم الاوحد لدى الادارة الفرنسية وعواصم القرار المعنية لبنانياً.
يقول مصدر واسع الاطلاع ان زيارة هولاند لبيروت تعكس عزم فرنسا على تقديم الدعم الثابت للبنان.
ويقرأ في مبادرة هولاند رغبة فرنسا في إبراز دعمها المتجدد للبنان على كل المستويات للمساعدة في التعامل مع تداعيات الحرب السورية، وخصوصا في ما يتعلق بتأثير وجود اللاجئين السوريين، اذ انها راغبة في مواصلة الدعم للمجتمع اللبناني المضيف الذي يتحمل العبء الأكبر من وجود النازحين السوريين.
ويرى ان هولاند الذي يتابع عن كثب التطورات في لبنان، يتقصّد منذ توليه الرئاسة وفي كل مناسبة إشهار دعمه لبنان:
أ-بدءا من زيارته الاولى لبيروت في الرابع من تشرين الثاني 2012، وحينها اعلن بوضوح انه يدخل الشرق الاوسط من البوابة اللبنانية.
ب-مروراً بإستقباله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. يومها تركز البحث على ضرورة انهاء الحروب الشرق اوسطية بالطرق السلمية وعودة ملايين النازحين، فضلاً عن تداعياتها على لبنان ولاسيما منها الامنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ودور لبنان كعنصر استقرار بحكم موقعه الجغرافي ونظام العيش معاً والتنوع الذي يميّز مجتمعه. وجرى التشديد على العمل على انتخاب الرئيس في اسرع وقت مع جميع المعنيين في الداخل والخارج، مع التشديد على اهمية الحضور المسيحي في الشرق الاوسط الذي يرقى الى ألفي سنة ويشكل عنصرا أساسيا في نقل القيم الانسانية والثقافية وقيم الحداثة الإيجابية.
-وليس انتهاء باختيار هولاند مستشاره ايمانويل بون سفيرا في بيروت، مما يعكس اهتماما خاصا بالمسألة اللبنانية.
ويشير الى ان تقصّد هولاند اتمام الزيارة مباشرة بعد انتهاء اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك واجتماعات مجموعة اصدقاء لبنان، اي في اوائل تشرين الاول، إشارة واضحة الى ان الرئيس الفرنسي يعتزم تثمير الزخم الدولي المتوقع ان يحوزه لبنان في نيويورك بغية الضغط في اتجاه امرين: مساعدته على تحمّل تبعات النزوح السوري ومآسيه، وتحريك المسعى لانتخاب رئيس جديد على عتبة دخول الاتفاق النووي الايراني أولى مراحله التنفيذية التي تلي اقراره المتوقع في الكونغرس الاميركي.
ويخلص الى ان زيارة بيروت لا بد انها ستحضر بثقلها المعنوي في القمة الرئاسية الفرنسية – الايرانية المقررة هي الاخرى في باريس في تشرين الاول والتي ستشكل محط اختبار للنوايا الايرانية بعد الاتفاق النووي بالقدر نفسه للدور الفرنسي التي تسعى باريس الى استعادته على مستوى الشرق الاوسط، وفي المشرق العربي خصوصا.